إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

زواج المحارم ؟! - قصة قصيرة

زواج المحارم ؟!
قصة قصيرة

كتبها : أحمد كمال
(فيلسوف القصة)

جلست المسكينة ، في غرفتها العتيقة حزينة ، ليس على زوجها الفقيد ، ولكن على حظها العنيد ، الذي أبى أن يهديها على مر السنين عريس يحتويها كما تريد .
وبينما تفيض دموعها أنهاراً على خدودها ، طرق أحدهم بابها يستأذن بصوته المشروخ بالدخول ، فراحت تعتدل في جلستها ، وتصلح من هيئتها ، وتأذن له في الدخول ، وإذا به نفس الشيخ الكبير ، الذي طالما أحل لها زواج الآخرين ، بالرغم من علمه بعدم رضائها المبين ، وضع بصره في الأرض ، وطأطأ رأسه في خشوع وتهذيب :-
- سيدتي لقد جئنا لكي بعريس ، يعوضك عن الزواج التعيس !
فصاحت فيه غاضبه قائلة :-
- ألا تستحي أيها الشيخ الكبير ، فإني لا أسمع منك إلا نعير !
فتبسم لها محاولاً احتواء غضبها ، وراح يدنوا مقترباً جالساً إلى جوارها ثم قال في هدوء المستكين :-
- لاشيء فيها ياسيدة ، فلا بد أن تبقي مقيدة .
فوقفت هي، فصاحت فيه غاضبه ، متسائلة :-
- ومن ذاك العريس ، الذي سيعوضني زوجي البئيس ؟!
فحمحم قائلاً في حشرجة وهو يتضاءل خوفاً من غضبها :-
- إنه ولد الفقيد ، فإنه خير وريث !
فالتفتت إليه ، وأمسكت كتفاه بيديها ، وراحت تهزه حتى أطاحت بعمامته الزائفة وهي فيه تصيح قائلة :-
- ماذا قلت أيها الفقيه ، أتريد تزويجي من محرم سفيه ؟!
فأخذ يتودد إليها بنظراته الخاضعة ، ورضوخه لهزاتها العنيفة ، وهو يصيح قائلاً :-
- إهدأي يا سيدتي فإن الأمر ليس لي .
ولما أدركت معنى ما قاله ، هدأت وراحت بجواره تجلس وتستكين ، وتتمتم قائلة :-
- وكذلك الأمر ليس لي !
راحت تضرب خدها ، تنتحب ، وتناجي ربها قائلة :-
- أغثني يامغيث ، وأرسل لي العريس !
فنظر إليها محدقاً ، مستغرباً ، وطرح عليها السؤال السريع قائلاً :-
- من ذاك العريس ؟
فوقفت تفتح نافذة غرفتها العتيقة ، ليقتحم نور الشمس غرفتها ، وراحت تدور حول نفسها كالطفلة ليلة العيد، فرحة بلباسها الجديد ، قائلة في صوت أشبه بالترانيم :-
- هو رجل بمعنى كلمة رجل ، له عقل من ذهب ، وقلب من ألماس ، قرأ كثير من الكتب ، فصار فصيح اللسان ، أسر قلبي بكلامه ، ولا يحلم إلا بي ، ولا يوجد غيري في خياله ، هوايته تحقيق المستحيل ، ملأ عيناي بجسده القوي المتين ، وأدرك وجداني ببشرته السمراء من شمس الكادحين ، لا يملك إلا ما أعطيه ، ويرضى إذا منعته ، أنا همه ولا هم له إلا أنا ، ما تبقى من عمره يهبه لي ، ومهري قد قبلته ، قبلة منه على الجبين .
- فيقف الشيخ الكبير ، ويمسك بها حتى يمنع دورانها وراح يصيح قائلاً :-
- يا سيدتي أنتي تحلمين ، وفي الوهم تعيشين ، والسراب تنتظرين !
فصاحت فيه معنفة ، ودفعته بقوة عن طريقها صائحة ، غاضبة ، قائلة :-
- كذبت أيها اللعين ، إنه قادم قدوم الآمنين !
وخطت برشاقة إلى نافذتها ، واتكأت عليها بذراعيها ، وراحت تنظر إلى بعيد ، بعيد ، وهي ترتل الترانيم قائلة :-
- ربما هو في تلك الحافلة ، أو ربما ذلك المسكين ، وقد يكون هذا الذي يتطلع إلى من بعيد .... أنا هنا في إنتظارك أيها الحبيب !
فجثا الشيخ على ركبتيه وسط الغرفة ، وشبك يداه متوسلاً قائلاً :-
- أتوسل إليك أيتها السيدة الطيبة لا تتمنعين ؟
فالتفتت إليه صائحة ، ومعنفة بشموخ قائلة :-
- لا .... أيها الشيخ الهزيل .. لست أنا من تورث ، ولدي في جعبتي من السهام الكثير !
فيقف مسرعاً متسائلاً :-
- يا سيدتي ماذا تنوين ؟!
فقالت وفي عينيها كبرياء ، وقد أشاحت بطرحتها عن شعرها ، وأمسكت بضفيرتيها مقسمة :-
- والله يا أيها العريس ، سأبقى أنتظر حتى تأتي بالفرس ، ومعك أمتطيه ، ولن أكون زوجة مكرهة لجبار جديد ، أو زوجة محرمة لذاك الوريث ، فعجل بالمجيء .
واستسلم الشيخ الكبير ، لما أدرك أن طلبه مستحيل ، وغادر غرفتها العتيقة وتركها تبتهل ، أن يعجل عريسها بالمجيء .
تمت ؛؛

أسطورة شمس وقمر ؟!- قصة قصيرة

أسطورة شمس وقمر
(قصة قصيرة)
كتبها: أحمد كمال
(فيلسوف القصة)

كانت هناك قبل التاريخ مملكة بشرية ، حدودها كونية ، أسسها ملك عظيم ، من ولد آدم المخلصين ، وزوجته حورية ، ترعى أبناء الرعية ، وتعين زوجها على نشر العدل والحرية ، أنجبت له ولدان أميران ، الكبير شمس ، والصغير قمر ، كان شمس قائد للجيش يضيء بنور وجهه المكان ، وينشر دفئه في كل الأرجاء ، ومن يقترب من الحدود بعداء يحترق وإذا قصد غير ذلك أجزل له العطاء ، وله زوجه رائعة الجمال ، تسمى نور الصباح ، أما قمر فكان مخادع ، وليس له أي رادع ، وكثير السهر في المساء ، ولاه والده الملك أمن الرعية ، فراح ينشر الرعب ، ويستبيح أرواح الناس ، وأملاك الأثرياء ، وأعراض النساء ، ويهديها للمعية ، وتزوج من ظلام الليل أنثى جنية ، أفكارها شيطانية ، متمردة بطبعها ، وتسيطر على زوجها حتى صار لها مطية .
وذات ليلة مات الملك واتشحت المملكة بالسواد ، وفاضت الأنهار بالدموع من كل العباد ، وقبل ذكرى الأربعين اعتلى العرش شمس بعد بيعة مرضيه ، ولكن قمر بتحريض ظلام الليل لم يرض ، وراح على أخيه يتآمر ، ويحشد كل الآثمين ، حتى يطيح به ويستولي على العرش ، ولما دبر وخطط وأشعل الفتنة ، راح ينقلب ففشل وشرد مع من شرد ، وانقطعت أخباره ولم يدرى عنه أحد .
وراح شمس مع نور الصباح وأمه حورية يعملون على رخاء الرعية ، حرث الأرض ، غرس البذر ، أقام السدود ، شيد الجسور ، بنى البيوت ، المدارس والمعابد ، وأشعل النيران ليصهر الحديد ويصنع الفؤوس والدروع والمعاول ، وكل ما يفيد الإنسان ، واستأنس الحيوان ، حتى صارت طائعة له مختارة ، تقوم بعملها بكل سعادة ، وأنجبت له نور الصباح الكثير ، والكثير من الأولاد والبنات .
بينما قمر كان يغير على كل الأقوام الآمنين ، ويمارس غيه العظيم ، روض الوحوش ، وأشعل النيران ، ليصهر الحديد ، ويصنع السيوف ، السهام ، الرماح ، وكل ما يضر الإنسان ، أغرق الزرع ، وأهلك النسل ، وسقى الأرض بدماء المغدورين ، وأنجبت له ظلام الليل الكثير ، والكثير من الأبناء ، أنصاف آدميه ، حتى صار له جيش عظيم ، يزلزل الأرض ويروع الآمنين .
وفي ذات ليلة ، عوت فيها الذئاب ، وانزوت كل الحيوانات ، وفقدت السماء هيبتها ، ومارست الأرض غيتها ، اهتزت مملكة شمس ونور الصباح ، من مسير جيش قمر وظلام الليل ، ارتعبت الرعية ، وراح الملك يحشد قواته ، ويستعد ليحمي الديار من هجوم الأشرار، ولما وصل قمر إلى الأسوار راح يصيح على شمس بغرور وكبرياء طالباً أن يلتقي إياه ، ولما كان اللقاء منحه الخيار إما الرحيل أو الانصياع ، وأبى شمس رغم انبهاره بقوة جيش أعدائه وأختار الموت في سبيل البلاد ، وحتى يكون مثلاً لكل العباد ، ودقت الطبول ، ونفخت البوق ، والتقى الجيشان ، وبقيا يتقاتلان كل صباح ومساء ، حتى كسرت السيوف ، ونفذت الأسهم والرماح ، وخارت قوى الجنود حتى لم يعودوا يقووا على الوقوف ، هلكت الخيول ، وسفكت الدماء حتى ارتوت الأرض بما تشاء ، والتقى القائدان الشقيقين في قتال انتهى بما لم يكن محال .... ماتا وبعثت روحيهما إلى حيث يقدران ، فراح شمس إلى بعيد ، بعيد ، وأصبح نجماً في السماء ، يضئ الدنيا ويدفئ العباد ، وتلتقيه كل يوم نور الصباح ، ليخرج كل كادح إلى الفلاح ، يفضح كل فاسد ويحرق كل ظالم وينصر على مر الزمان كل أحفاده على الرغم من أنهم ليسوا أقوياء ، أما قمر فلم يذهب بعيداً لأن روحه شريرة ، بقى من الأرض قريباً ، بارداً مظلماً ، يسترق بعض ضياء شمس ، ويتلحف بدفيء نيرانه الصديقة .
وبقى قمر رقم الممات شريراً ، يلهم الشعراء ، ويغوي العشاق ، وبقوا أحفاده سمّر ساهرين ، في الخطايا غارقين ، متلهفون للحظة الانقضاض ، ونالوا شرف الاتصال بجدهم المغوار ، لما هبطت على جسده أو سفينة فضاء ، وانقسمت الدنيا منذ تلك المعركة لنصفين ، نصف لأحفاد شمس الأخيار وجلهم من الضعفاء ، الفقراء ، والنصف الآخر لأحفاد قمر الأثرياء ، الأقوياء ، وأصبحت الدنيا بينهما قسمان ، نهار وليل ، شرق وغرب ، شمال وجنوب ، ربما زاد ، ربما نقص ، حسب ما يحقق كل فريق انتصار ، ولم يحقق أحدهما آخر انتصار ، وتبقى على ذلك المملكة حتى يتحقق الوعد لشمس بالاقتراب ، فيحرق كل الأشرار ، وينشق قمر انشقاق ، لينتهي عصر أحفاده ، وينقطع دبر أبناءه .
ولايزال الصراع مستمراً .
تمت ،،،،

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

حوار في السماء _ قصة قصيرة

حوار في السماء
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
نادى قائد الطائرة عبر المكبرات ، المتبقي من زمن الرحلة دقائق معدودات ، تهللت أساريري ، ورحت أفرغ سعادتي من جسدي المهتاج ، أفرك رأسي ، أدعك عيني ، أقلب كفي ، فبعد قليل سأعود إلى الديار ، وأنهي سنوات الغربة ، وأيام الفرار .
أتلفت حولي أبحث عن صديق ، أفضفض له بتلك المشاعر ، وهذا الالتياع ، وإذا برجال وسط الممر يقفون ، يمسكون في أيديهم ، أجهزة الجوال ، ويلوحون بها لأعلى ، ويصيحون في هياج :
- لا حراك .... الطائرة مختطفة .... وإلا هلاك !
أدركتني صدمة شلت لساني ، وساد سكون ملأ كل وجداني ، وراح كل ركاب الطائرة في فضاء الكون ضائقون ، ولكن جاءتني فكرة طائشة ، لمعت في أم عقلي صائبة ، إذا كنا هالكون ، فلماذا لا أجري حوار ، مع هؤلاء الرجال ؟! أغوص في أعماق نفوسهم، كيف أنهم قادرون، أنفسهم يقدمون ؟! فأشرت للرجل عند آخر الممر ، فجاء ولما مني اقترب ، سألته بأدب :
- إذا كنت قد اتخذت القرار .... واقترب موعد الانتحار .... فدعني أعرف السبب ، ومن أين جاءك كل هذا الثبات ؟!
فنظر إلي الرجل بدهشة ، واستغراب ، كأن قد فاجأه السؤال ، إلا إنه قال :
- أنا أريد الانتقام ، فأمام عيني لا أرى إلا الظلام ، وهؤلاء إخواني ، من قتل أبويه ، ومن سحق أبناءه ، ومن اغتصبت زوجته ، أو شقيقاته ، وربما بناته ، أو ربما أغتصب وطنه بأكمله !!
فأسرعت متسائلاً :
- ولكن هل لك أعداء على متن هذه الطائرة المحلقة في الفضاء ؟!
فأسرع في هياج قائلاً :
- كلهم أعداء ، وإن لم يكن فكلهم فداء !
فأسرعت في هياج أكثر منه قائلاً :
- ولكنك يا سيدي تريد أن تنتقم من أبرياء ، لأبرياء ، وعدوك المجرم صنع منك مجرماً بامتياز ، فما الفرق بينكما الآن ؟!
فنظر إلي مستغرباً ، وبدا على ملامح وجهه علامات الاقتناع ، فأسرعت واقفاً ، أصيح في سعادة غامرة قائلاً :
- هيــــا .... فليأتيني كل الأطفال الموجودين على الطائرة !
وامتلأ الممر بالأطفال ، الواحد تلو الآخر ، يركضون كالملائكة ، ويحبون على أذرعتهم ، في همة ، ونشاط ، وكأن الطائرة قد أصبحت روضة في السماء ، ولما التئم جمعهم ، أمسكت أحدهم ، يشع من وجهه نور الصفاء ، ويلمع في عينيه بريق اللقاء ، وسألت الرجل قائلاً :
- يا أيها الرجل .... هل لك من بين هؤلاء الأطفال أي أعداء ؟!
فأسرع صائحاً ، متبرئاً ، في هياج قائلاً :
- لا .... لا .... إنهم أبرياء !
فصحت فيه مبتسماً قائلاً :
- إذن دعنا ننقلهم إلى مؤخرة الطائرة !
فهز برأسه موافقاً ، وهو لي شاكراً لفت الانتباه ، ثم رحت أصيح مجدداً قائلاً :
- يا أيتها النساء .... فلتأتيني من فوركن ، إن كنتن تردن النجاة !
فامتلأ ممر الطائرة ، بعشرات النساء ، وكأننا في جنات النعيم ، ومن حولنا ترفرف الحور العين ، فوضع الرجل نظره في الأرض على استحياء ، فسألته مباغتاً قائلاً :
- يا أيها الرجل .... هل لك أعداء من بين هؤلاء النساء ؟!
فرد في حشرجة دهماء ، بصوت طفل أدركه الحياء قائلاً :
- لا .... لا .... الأعداء لسن من هؤلاء النساء !
فصحت فيه مستنكراً قائلاً :
- إذن دعنا ننقلهن إلى مؤخرة الطائرة !
فهز الرجل برأسه موافقاً على استحياء ، إلا إني رحت أصيح من جديد ، قائلاً :
- يا أيها الشيوخ .... فلتأتوني من فوركم ، إن أردتم نجاتكم !
فامتلأ الممر من جديد ، بعشرات اللحى والرؤوس ، والشيب يتوجها ، كأننا في جنة الفردوس ،والملائكة تزينها ، فداهم الرجل بكاء ، وراح يجهش في هياج ، وأنا أسأله معنفاً قائلاً :
- يا أيها الرجل .... .... .... هل لك أعداء من بين هؤلاء الشيبان ؟!
فرد بانتحاب ، وقد فاض الدمع من عينيه أنهار ، بمرارة ، وانكسار ، قائلاً :
- لا .... لا .... هؤلاء فوق رؤوس كل العباد !
فصرخت فيه قائلاً :
- إذن دعنا ننقلهم إلى مؤخرة الطائرة !!
فهز رأسه موافقاً ، وهو يشعر باختناق ، ورحت أتفحص وثائق الرجال ، حتى عثرت على اثنين من الأعداء ، واحد من جيش الاحتلال ، والثاني من قوات أعالي البحار ، فصرخت فيه قائلاً :
- هؤلاء هم الأعداء .... سبب البؤس والشقاء
فهز برأسه موافقاً ، ومهللاً ، أن أدرك أخيراً الأعداء ، ولكني صحت فيه قائلاً :
- إذن دعنا ننقل بقية الرجال إلى مؤخرة الطائرة !
فهز برأسه موافقاً ، ومؤكداً ، ثم رحت ادنوا برأسي من رأسه ، وأهمس في أذنه قائلاً :
- من أجل هذين الوحشين ، تريد أن تقتل كل هؤلاء الأبرياء ؟!
فرد بنفس الهمس قائلاً :
- وماذا ترى يا أيها الحكيم ؟!
فعدت أهمس في أذنه ثانية ، وأنا أشير عليهما ، وهما يرتجفان ، قائلاً :
- دعنا نقذف بهما من الطائرة .... ونرضي النفوس الثائرة .... وكل الركاب غير شهداء !
فهز برأسه موافقاً ، ومتحمساً لذاك القرار ، وراح يشاور أصحابه ، وعاد بعد وقت قصير بالموافقة ، واتجهنا جميعاً صوب باب الطائرة ، حتى نقذف بالمجرمين ، ولما فتحنا الباب ، وهبت عاصفة الهواء ، صاح جندي أعالي البحار قائلاً :
- يا سيدي .... أنا لم تطأ قدمي تلك الديار ، ولم أقتل أحداً ، ولم انتهك عرضاً ، ولم اسرق أي أموال ، فبأي ذنب ، تريق دمي هباء ، ولي على متن الطائرة ، زوجة ، وأطفال ؟!
فتأملت الرجال ، وصحت فيهم ، وعاصفة الهواء تتدفق عبر الباب ، قائلاً :
- أترون الآن هذا الجندي من الأعداء ؟!
فصاحوا جميعاً على صوت رجل واحد قائلين :
- لا .... لا يا سيدي طالما لم تطأ قدماه الديار !
فأشرت له أن يذهب ، ويلتحق ببقية الرجال ، فراح يصيح ، ويهلل ، كأنه نجا من الممات ؟! شاكراً إلهنا الذي في السماوات ، وبقى الجندي الأخير ، جندي جيش الاحتلال ، صمت ، لم يدر ما يقول ، كيف يمكنه أن يدافع عن نفسه ؟ فهو سارق وطن ، ومتحد للزمن ، وخالق محن ، لكل الأبرياء ، فنظرت له برحمة ، بإشفاق ، وقد اشتدت عاصفة الهواء ، فسألته قائلاً :
- ألن تدافع عن نفسك يا أيها الإنسان ، يا جندي رمزه الغطرسة ، والعنفوان ؟!
فصمت ، وملامح وجهه بلا عنوان ، فصحت فيهم قائلاً بحماس :
- يا أيها الرجال .... إن الشجاعة تقتضي أن لا يقتل إلا في ساحة القتال ، حتى لا ينال منا شرف البطولة الجوفاء
فهز الرجال برؤوسهم موافقون ، فأشرت له أن يلتحق ببقية الرجال ، فركض الرجل كطائرة نفاثة بلا انتظار ، وإذا برجل يربت على كتفي متسائلاً قائلاً باستغراب :
- ولكن نحن هكذا لن نقتل أحداً من الأعداء ، ولن نصبح في عداد الشهداء ؟!
فنظرت له مستغرباً ما قال ، وضربت بيدي على صدره قائلاً بارتياح :
- يا أيها الرجال ... ألا تدركون أنكم أقوى مما كان ، لقد أقمتم حياة ، أنجيتم الأبرياء ، وعفوتم عن عدوكم عند المقدرة ، وعرفتم طريق الجهاد ، وحلاوة الاستشهاد ، ولم يستطع عدوكم ، أن يجعلكم مثله مجرمون ، أفلا تكتفون ؟!!
فارتسمت بسمة على شفاههم ، وأغلقنا الباب ، ورحنا نتبادل العناق ، تلو العناق ، وعاد قائد الطائرة ليتحكم بها من جديد ، وعاد الركاب إلى مقاعدهم ، يلتقون كأنه يوم عيد ، ورحن المضيفات يقدمن الحلوى ، وأكواب العصير ، حتى قبلت إطارات الطائرة ، إسفلت المطار ، فرحت ازفر بلهفة ، واشتياق ، وفي قلبي صياح ، للوطن المستباح ، ومن فرط سعادتي وقفت في هياج صارخاً بأعلى صوتي كالأطفال الصغار ، ومن خلفي كل الركاب يرددون :
- الحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوار ، الحــــــــــــــــــــــــوار ، الحــــــــــــوار
تمت ،،،،

الثلاثاء، 27 أكتوبر 2009

حديث القبور - قصة قصيرة

حديث القبور
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
في نفس المكان ، وإن اختلف الزمان ، (( كافيتريا )) السوق الكبير ، حيث الزحام ، واختلاط الأقدام ، وتلاصق الأجساد ، واسمع من بين الضجيج ، صوت نواح ، واستعطاف ملاك ، سبق وسمعته ، ولم أرق له ، اندفعت نحو الصوت يرشدني ، أزيح من أمامي كل ما يعطلني ، حتى وصلت ، نفس الطاولة ، نفس الأشخاص ، وإن اختلفت الأسماء ، وملامح الوجه ولغة اللسان ، تبكي ابنته ، ويضربها بقسوة ، بعد أن طوحت بغير مقصد كوب العصير ، فانقضضت عليه أمنعه ، وقد أصابه ذهول ، وراح يبحلق في كأني مجنون ؟! إلا إنه وقر شيب لحيتي ، وطعن سني ، فرحت أقول بتوسل وخضوع :
- لا تستقو على الضعيفة ، فيصبح الندم رفيقك ، حتى نهاية الخليقة .
فنظر إلي وقد ساده هدوء ، وخشع قلبه للدمع المسكوب ، من نبع عيني المغمور ، ثم رحت أقول :
- أتوسل إليك أمسك .... ولا تفقد ابنتك من أجل كوب عصير ؟!
فملأ الرجل خضوع ، ودعوته ليسمع قصتي ، وابنته في حضرتي ، أزدناها بكوب آخر من العصير ، ورحت أقص عليه قائلاً :
- قبل أن يشيب هذا الرأس ، كنت جالساً في نفس المكان ، معي زوجة ، وعندي ابنة ، أهداهما إلي الرحمن ، فطوحت ابنتي من على الطاولة نفس كوب العصير ، أخذتني العزة ، والطغيان ، ولطمتها بعنفوان ، فأصاب المسكينة ارتجاج ، وركضت بها إلى المستشفى ، لكن قد فات الأوان .
ولم أتمالك نفسي فرحت أجهش في بكاء ، وتفيض دموع الندم ، والحسرة ، من عين الكبرياء ، وهو يواسيني ، ولما تمالكت نفسي رحت أمسح بيدي دموعي ، التي حفرت من غزارتها خدودي ورحت أكمل قائلاً :
- لم أصدق ما جرى ، وأدركت عظيم قسوتي ، وحجم حقارتي ، وكيف أني بررت لنفسي استخدام فرط قوتي ، مع فلذة كبدتي ، بدمع الفراق غسلتها ، وبرموش العين كفنتها ، وبروحي القبر أنزلتها ، وهمست في أذنها ، وأنا أمسح بيدي على وجهها ، إني لن أتركها أبداً في هذه الظلمات ، وسأبقى معها حتى يأتيني الممات ، وبقيت على العهد أيام ثلاث ، وأنا أقيم على مشهد قبرها ، وأحضر لها الماء والطعام ، وأقسمت لها أني سأغنيها ، عن مر الحاجة ، وذل السؤال ؟ ولما أصابني إرهاق ، عدت إلى المنزل أختطف بعض الارتياح ، وهيهات ، هيهات ، فوجه بنيتي راح يطاردني بإلحاح ، وودت لو قطعت اليد التي طاوعتني ربما أرتاح ، فعدت إلى قبرها ، وكلي لهفة واشتياق ، وإذا بالطعام قد نفذ ، والشراب راح ؟! ووجدت على القبر منقوشاً كلام ، أريد منك يا أبي بعض الحاجيات ، فرحت أصيح لبيك بنيتي ، وأحضرت ما تريد ، وصرت أزورها كل أسبوع ، وأجد على القبر نفس الكلام المنقوش ، أبي بدأت المدرسة ، أحضر الكتب والكراسة ، وقلم ومحاية ، ولا تنس ممشطتي ، والمرآة ، وأنا تملأني سعادة ، صدق حدسي ، بنيتي تحيى تحت التراب ، ورحت ألبي ما تطلبه ؟!
ومصمص الرجل شفتيه ساخراً ، وفي عينيه نظرة المكذب ، لكني رحت أكمل وأقول :
- وكبرت بنيتي ، وانتقلت من مرحلة إلى مرحلة ، وأنا آتيها بكتبها ، وعاماً وراء عام ، كانت دائماً تنجح في الامتحان ، وتجتاز كل السنوات ، وتنقش على القبر ، أريد هدية ، فقد طلعت الأولى ، وأنا أحلق بجناحين من السعادة ، وأصيح بنيتي لا تزال موجودة ، ويمر عام ، وراءه عام ، وطلباتها تكبر ، وتزداد ، ولا أجد في سبيل تحقيقها أي شقاء ، أو ذرة من عناء ، حتى ذهبت إليها يوماً كما هو معتاد ، فلم أجد نقش على القبر ، ولا أي كلام ، فصرت كالمجنون ، أبحث عن رسالتها المنقوشة ، ربما في أي مكان ، وإذا ببنية أمامي شابة ، في قوامها ملفوفة ، كأنها بنيتي ، ولكنها ليست كذلك ، قبلتني على رأسي ، وهدتني وردة جميلة ، وشكرتني قائلة ( أنا يتيمة ) وأدركت الحقيقة ، وأن بنيتي قد ماتت ، وأنني ربيت اليتيمة ، وكفلت بعدها سبعمائة يتيمة ، وكلهن الآن موقرات في بيوتهن ، ولا أدعي أني كفرت الخطيئة ، فخطيئتي بحجم حبي لبنيتي ، وحبها ليس له في قلبي حد !!
وإذا بكوب العصير من جديد يطيح ، ويفيض على الطاولة ، ويلطخ الثياب ، وكاد الرجل أن يصيح ، فارتمت الطفلة في أحضاني ، ولفت ذراعاها حول رقبتي باستغاثة ، ولكن كانت الدموع التي تنهمر من عيني الأب المفتون ، تبرد قلبه ، وتزيل الغشاوة ، فراح يصيح بفرحة وسعادة :
- فداءك يا بنيتي تريليون كوباً من ا لعصير !!
ومسح بيديه على شعر بنيته ، حتى ارتمت في أحضانه ، وبقى دفيء صدرها ، وحلاوة ملمس ذراعها ، حول رقبتي ، وكأن روح ابنتي ، باتت تحوطني ، فربما سامحتني ؟؟!!
تمت ،،،،

الخطيب الأخرس - قصة قصيرة

الخطيب الأخرس
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
انطلقت بسيارتي نحو المكان ، حيث الفجور ، والفسوق ، والعصيان ، وإذا بسيارتي تلهث ، وتتوقف ، وتأبى إلا الثبات ، ترجلت ، وفي غضب رحت اركلها ، وفي يأس رحت ألطمها، وفي استسلام رحت أتفل عليها ، فردت علي بوابل من الدخان الكثيف ملأ الأرجاء ، فتلاشيت فيه ، ورحت أذوب ، وأذوب ، وكاد يدركني اختناق ، وداهمني سعال ، فجثوت على الأرض وأنا أختنق ، ومن لهيب الشمس أصبحت أحترق ، واستسلمت لهلاكي ، وأنا أتمنى انتظار ، ومن هذا المأزق نجاة ، وغلبني النعاس ، فأغمضت عيني مستسلما.
استيقظت ربما بعد لحظات ، أو ساعات ، ولا تزال سيارتي راقدة في ثبات ، ولا تزال الشمس في كبد السماء ، احترت في أمري ، حتى داهمني وحشاً مخيفاً رأيته من الأسفل لأول مرة ، ولكني سرعان ما أدركت إنها جاموسة ، بحلقت في مندهشة ، حتى قال سائقها في نفس دهشتها :
- الجمعة يا أستاذ ؟! .... لا تفوتك بركتها .
تحسست رأسي بإعياء ، وأصلحت هندامي باستعجال ، ووقفت متصنعاً الهمة والنشاط ، ورحت أخطو باحتاً عن فني سيارات ، ويخترق أم أذني صوت الآذان ، ولا عقل يجيب ، ولا قلب لهفان ، فأنا ربما لست بإنسان ، وأغلقت في وجهي كل الأبواب ، فكل أهل القرية في المسجد ، يؤدون شعائر الصلاة ، فرحت إلى المسجد عسى أن أقنع مصلح السيارات أن يأتي معي وسأهبه ما يشاء ، بل أكثر مما يشاء ، وبينما أناديه ببعض البحات ، والصفير والغمزات ، والتلويح ، والإشارات ، إذا بأحدهم يدفعني لداخل المسجد صائحاً :
- لقد وصل الإمام ... أقيموا الصلاة .
ارتجفت خيفة ، وأصابتني رعشة ، تلتها رجفات ، والناس في المسجد تدفعني نحو المنبر ، بكل خفة وحماس ، ولا جدوى من اعتراضي ، وتبخرت مقاومتي ، ووجدت قدمي على وجه المنبر ، يصافح أولى الدرجات ، تراجعت من فوري ، والتفت خلفي ، فالناس محتشدة ، وللصلاة مجتمعة ، وغاب الإمام ، فأصبحت أنا ذاك الإمام ، ولبأس الإمام ؟!
نظرت إلى المنبر ، فرأيت عملاق ، وأنا قزم آن له أن يتسلق ذاك العملاق ، وداهمتني الذكريات ، ففي مثل هذا المكان وقف الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكثيراً من الصحابة ، وعدد غير محدوداً من الصالحين ، والأخيار ، وبت أتساءل إلى أين سوف تقودني الأقدار ؟! فأغمضت عيني وأنا أستحي من الرحمن ، وفاضت من عيني دموعاً ، اغتسلت بها ، وتطهرت من الآثام ، وتوضأت للصلاة ، ورحت أصعد الدرج وأنا في قلبي خفقان ، يكبر الرحمن ، حتى جلست على قمة المنبر ، وراح المؤذن ينادي ، مرة ثانية إلى الصلاة ، فتدافع إلى المسجد عشرات الأشخاص ، في ثياب بيض، وعلى رؤوسهم عمم خضراء ، ويشع من وجوههم نوراً ، تخشع له الأبصار ، استغربت ، واستعجب كل من رآهم ، فلم يكونوا من تلك الديار ، ولما انتهى الآذان ، قمت لأقول ، وعقلي دارك ، وقلبي عامر ، إلا أن لساني أبى الحراك ، وتقطعت أحبال حنجرتي الصوتية ، وكاد أن يصيبني إغماء ، فقبلت يدي شاكراً الرحمن ، وضربت على قلبي وأنا أجهش في البكاء ، وألوح بيدي ، وأشير بأصبعي ، أن وحدوا الله ، ورحت أتحسس شفتي ، وأبللهما بدموع الخشوع ، والرضوخ ، والخضوع ، والانصياع ، وتعالت في المسجد غمغمات ، فهمهمات ، حتى صار لغاط ، فرحت أشير بأصبعي لينظروا إلي ، وأنا أدعو للسماء ، ليفهمني كل هؤلاء ، وأنا لا زلت أجهش في بكاء ، ورفعت كفي متذللاً أن أدعوا الله ، فساد صمت ، تلاه سكون ، وراح كل من في المسجد يدعون .
وقمت أقبل كفي ، أن الحمد لله ، وأنظر إلى السماء ، راجياً رحمة ، آملاً نجاة ، وأنا أشعر بروحي تحلق في السماء ، وكأن رحمة ما تحوطني ، ومغفرة أصابتني من الإله ، فرحت ابتسم ، وانتحب في آن ، وبينما ارفع كفي بالدعاء ، يصيح كل من في المسجد آميــــن ، وشعرت إني تحوصلت داخل ثوباً أبيضاً من النقاء ، ورحت أسموا نحو السماء ، وتقدس روحي حبيبها الإله ، وأدركت كم حقارتي ، وعظيم خسارتي ، من فعل الفسق ، والفجور ، والعصيان .
ولما نزلت عن المنبر ، كان أهل القرية في المسجد يجهشون بالبكاء ، ويصيحون موحدين الإله ، ويمدحون خطبتي ؟! وأصلحت سيارتي ، وبدأت رحلتي ، ولم أنس ، ولن ينس ، أهل القرية ،يوم جاءهم ، الخطيب الأخرس ؟!
تمت،،،

السبت، 24 أكتوبر 2009

رماد جثث خالدة - قصة قصيرة

رماد جثث خالدة
قصة قصيرة
كتبها :أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
كان يتقلب على الفراش ، تحت الغطاء ، في غرفة جدرانها سوداء ، وستائرها رمداء ، وأرضيتها حمراء ، وسقفها تقطر منه الدماء ؟!
رن جرس المنبه كما تعود في الصباح ، فاستيقظ بعنفوان ، يتأمل حلته الرسمية ، وأوسمته الذهبية ، ويتثاءب ويتنطع كالذئاب ، ثم نهض متجهاً نحو الحمام ، بينما حارسه المدجج بالسلاح يضع الجرائد اليومية ، وينصرف قبل أن يناله الجزاء ، من سيادة اللواء .
خرج الرجل وقد شب في جسده نشاط ، وجلس على حافة الفراش ، يقلب الجرائد اليومية ، وإذا به يفاجأ بصورته في صدر الصفحات، وكتب عليها عنوان ( اليوم الذكرى السنوية لموت سعادة اللواء ، وسرادق العزاء في كل البلاد ) داهمته دهشة ، أدركه استغراب ، وراح يتمتم قائلاً :
- كيف أموت وأنا لا زلت على قيد الحياة ؟!
فراح يمسك جواله ويدق رقم رئيس التحرير وهو في قمة الاستياء ، ولما جاءه المجيب قال في استعلاء :
- كيف يا هذا تنشر مثل هكذا أخبار ، أنت تدعي إني ميت ، ولكني لا زلت على قيد الحياة ؟؟!!
فرد عليه رئيس التحرير بصوت مرتعشاً مرتاب :
- يا سيدي ربما إنك لا تعلم ولكن صار هذا منذ عشرات السنوات !!
ازدادت دهشة الرجل فأنهى المكالمة وراح يجيء في الغرفة ويذهب ، وهو يصيح بصوت مشروخاً مثل قطع الزجاج :
- كيف إني ميت ، ولا زلت على قيد الحياة ؟!!
فراح يمسك بالهاتف ويدق الأرقام ، ويطلب الأصدقاء ويأتيه العزاء تلو العزاء :
- أحسن الله عزاءك ، يا أعز الأصدقاء
فيصيح فيهم بالرفض والصراخ :
- كيف إني ميت ولا زلت على قيد الحياة !!
فيأتيه الرد من أصوات جوفاء :
- لقد حدث هذا منذ عشرات السنوات ؟؟!!
وراح الرجل يشعر باختناق ، ويضيق صدره ، وتصيبه نوبة هياج ، فراح يحطم كل ما يراه ، وما تطله يداه ، ويصيح كالأنثى في المخاض :
- كيف أني ميت ولا زلت على قيد الحياة ؟!
حتى خارت قواه ، ولمع في ذهنه المعتق ، خمر نجاة ، وراح يصيح :
- لسوف أسأل الأموات ، فربما إني ميت على قيد الحياة ؟!
وراح يركض نحو القبو ، حيث عشرات الجثث ، كانت أجساد ، مشتعلة بالحياة ، ماتت من العذاب ، وراح يقطعها حتى جعل أكبر قطعة فيها فتات ، ثم أحرقها ، وتحولت إلى رماد ، ولم يكتف بهذا بل احتفظ بها ذكرى في زجاجات ، ولا يعلم أحداً عنها ، حتى العائلات ؟!
ولما وصل إلى القبو صاح ، وصوته اقرب إلى النواح :
- يا أعداء البلاد .... هل أنا ميت ؟! .... أم لا زلت على قيد الحياة ؟!
وإذا بعشرات الزجاجات تنفجر ، وتتناثر شظايا الرماد ، والرجل بعنفوانه ينبطح ، ويدفن رأسه بين ذراعيه كالنعام ، ويبكي ، ينتحب ، كما الشمع عندما يحترق ، ولما هدأ الانفجار ، راح يرفع رأسه عالياً ، وينفض عن رأسه الرماد ، ولكن لم يجد على رأسه ، ولا ثيابه أي أثراً ، لأي رماد ، وإذا بالرماد ماثلاً أمامه ، على شكل إنسان ، في حجم أضعاف حجمه ، يتلألأ بالضياء ، وألوان خضراء ، وعلى شفتيه ابتسامة الانتصار ، وقال عملاق الرماد بخفة واستهتار :
- ماذا تريد بعد يا أيها الوحش المهتاج ؟!
فصمت الرجل ... وراح يذوب روعه ، ويتحضر نفسه ، ثم قال في انكسار :
- يا أيها الشهداء .... هل أنا ميت ؟! .... أم لا زلت على قيد الحياة ؟!
فقال عملاق الرماد ، بصوت العزة ، والإشفاق :
- أنت من اختار، مر الانتقال ، من سجلات الآدمية ، إلى سجل الوحشية .... فأصبحت ميت ....ولا زلت على قيد الحياة ؟!
وأيقن الرجل معنى الجواب ، فراح يرتدي حلته الرسمية ، ويعلق أوسمته الذهبية ، ويتلقى العزاء ، في روحه الآدمية ، من نفسه الوحشية
تمت،،،،

الخميس، 22 أكتوبر 2009

ثورة أبو الهول - قصة قصيرة

ثورة أبو الهول
قصة قصيرة
كتبها: أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
ضاقت بي الدنيا ، وشعرت باختناق ، فسرت حيث لا أدري ، وأنا أشهق فساد ، وأزفر رماد ، وفي الصدر نار الحسرة والامتعاض ، حتى دنوت من الأهرامات ، وومضت في قلبي ومضة اشتياق ، لأبي الهول فربما هو الملاذ ، وبناه الأجداد ليحرس البلاد من الأعداء ، من العباد ، وربما من الفساد ؟!
تسارعت خطواتي ، وتلاحقت أنفاسي ، وأنا من حماس إلى حماس ، حتى وقفت على بعد خطوات ، وأنا ألتقط أنفاسي بالكاد ، وصحت فيه مستغيثاً قائلاً باستعطاف :
- يا أبا الهول ... يا حارس صمد عبر الزمان .
وإذا بصوت زئير يتداعى على استحياء ، لا أكاد اسمعه ، لكني ارتعدت رعباً وتصنعت الإباء ، وواصلت الصياح :
- يا أبا الهول ... أنا المصري ... كما تراني ... جائع ... بلا زاد ... ولا زواد ... وهناك غيري لاجئين في كل البلاد ... وكلنا ضحايا ما يسمى بالفساد ؟!
وإذا بصوت الزئير يزداد ، حتى يسبب زلزال ، فركضت هارباً ، مولياً الأدبار ، هائماً على وجهي نحو لا مكان ، حتى ناداني صوتاً جهورياً جبار ، لا يخلو منه الحنان قائلاً :
- عد يا هذا وأكمل شكواك ! ! !
فتجمدت مكاني ، وأنا لا أقوى على الالتفات ، ولكني شحذت لساني وواصلت الكلام :
- أنقذنا يا أبا الهول من عصبة الفساد .
فسأل مستغرباً :
- ألا يزال فرعون حاكم ؟!
فأجبت وأنا أرتجف :
- ويسمى رئيس جمهورية !
فسأل مجدداً :
- وهامان ؟!
فأجبته مسرعاً :
- ويسمى رئيس وزراء !!
فسأل مجدداً :
- وقارون ؟!
فأجبت ساخراً :
- ويسمى رجل أعمال
فسأل باستغراب :
- وأين موسى ؟!
فأجبت بامتعاض :
- ليس هنا .
فسأل باندهاش :
- وأين عصاه ؟!
فرددت متحسراً :
- غير موجودة !!
فسأل مجدداً :
- وبني إسرائيل ؟!
فقلت باكياً :
- على الحدود، متربصون !
فسأل وقد داهم صوته حشرجة البكاء :
- والرعية ؟!
فأجبت منتحباً :
- كما ترى منسية !!
فساد صمت ، تلاه اهتزاز ، وكأن الأرض من خلفي تتشقق وتزال ، وأنا لا أقوى على الالتفات ، حتى شعرت بشيء عظيماً خلفي ، يتحسسني باشتياق ، فرحت أستدير بحذر واحتراس ، فإذا بأبي الهول واقفاً على قدميه ، أسد بوجه إنسان ، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ليس لها عنوان ، وفاضت من عينيه دموعاً لها بريق وهاج ، وسألني مجدداً بصوته الجهوري الجبار ، الذي لا يخلو من الحنان قائلاً :
- يا مصري ماذا تريد حتى ترتاح ؟!
فأجبت بشيء من الشجاعة الجوفاء :
- أريد حرية ؟!
فهز رأسه ... وغمز بعينيه باستغراب ، فواصلت قائلاً :
- كيف أكون حراً وأنا لا زلت أخاف ؟!
فهز برأسه موافقاً ثم قال :
- وماذا أيضاً ؟
فأجبته بلهفة واشتياق :
- أريد عدلاً !!
فهز برأسه غاضباً ... ولكني واصلت قائلاً :
- كيف يكون العدل ... وأنا لا زلت جائعاً ؟؟!!
وهز برأسه موافقاً ، ثم قال :
- وماذا أيضاً ؟!
فأجبته بسرعة اللهفان :
- أريد مساواة !!
فهز رأسه رافضاً ، وهو يبحلق في متشكك ، فواصلت قائلاً :
- كيف تكون المساواة ... ولا زلت عاطلاً ؟؟!!
فهز برأسه متأسفاً ، وزاغت عيناه على استحياء ، حتى قال :
- وماذا أيضاً ؟
فأجبت متطلعاً :
- أريد تعددية ؟!!
فأشاح بوجهه عني متأففاً ، حتى واصلت قائلاً :
- كيف تكون التعددية ... ولا زلت جاهلاً ؟؟!!
فرنا ببصره نحوي ، وراح يهز برأسه موافقاً ثم قال :
- وماذا أيضاً ؟
فأجبته متجرئاً :
- أريد تداول سلطة ؟!
فدنا بوجهه الضخم من جسدي الهزيل ، ونظر إلي متشنج ، فواصلت وأنا أصيح :
- حتى ننهي عصر الفراعين!!
فأغمض عينيه ، وراح يهز رأسه موافقاً ، ثم فتحهما وهو في التفكير مستغرقاً ، ثم قال :
- وماذا أيضاً ؟!
فصمت لبرهة ، وهززت برأسي مستكفياً ، فجثا على ركبتيه مستأنساً ، ودعاني لأمتطي ظهره متشرفاً ، ولما فعلت شعرت بالدنيا تتلألأ من حولي مستعرضة ، وقام وراح يركض ، وهو يزأر قائلاً :
- لا بد من زلزال ... يحقق لك كل المحال !!
وبينما وجهي يصارع الهواء ، لأول مرة أتنفس بنقاء ، ورحت أصيح بصراخ :
- هيا يا أبا الهول ، زلزل الأرض من تحت الأقدام !!
وراح يدمر عرش فرعون ، ومقر هامان ، ويشرد كل قارون في البلاد ، ويسحق كل النجمات ، والنسور ، والصقور ، والسيوف ، والتيجان ، ويطلق الأحرار ، وينسف الأشرار ، حتى دنت بين يديه كل البلاد ، فجثا على ركبتيه ، وقد بدا علي وجهه الإرهاق ، فنزلت عن ظهره ، وأنا أتحسس جسده الصخري الأخاذ ، ولكنه عاد واقفاً ، بنفس الهمة والنشاط ، قائلاً بحماس :
- أنا على الحدود الشرقية ، أنتظر اللقاء ؟!!
فتبسمت له ابتسامة عشق قوية قائلاً :
- وأنا في قلعة صلاح الدين ... أزرع إنسان .... وسألحق بك يوم الحصاد ؟!
فهز برأسه وهو يزأر موافقاً ، ومودعاً ، وراح يركض نحو شمس تشرق على البلاد .
تمت ،،،

أبراج متوحشة - قصة قصيرة

أبراج متوحشة
قصه قصيرة
كتبها أحمد كمال (فيلسوف القصة)

كان لي بيتاً صغيراً ، في حقل كبير ، وأنا بهما سعيد ، بنيته من طين أديم الأرض ، في الصيف تداعبك نسمات الهواء ، وفي الشتاء يؤويه دفئ الشمس وفيه غرف من ورائها غرف وأسفله قبو ، وفوق سطحه برج حمام ، فيه حمام نشيط ، يأتي من كل صوب ، في كل يوم ، ويذهب متى شاء ، ويأتي متى يريد ؟! ويحتضن البيت الصغير شجرة " توت " لها ظل عظيم ، تستظل به العصافير ، وتعشش عليها ، وتسكن فيه ، وهي في الوقت نفسه منبه رباني عظيم ، إذ في كل صباح تزقزق العصافير ، فتوقظ الميت مبتسماً على لحن سيمفوني جميل ، وأحاطت بالبيت أزهار الفل والياسمين فأشتم عبقها كأني في جنة الخالدين ، ولا أتعطر وأنا خارج بل أكتفي بالمرور بين عزة الفل ، وعنفوان الياسمين فأقبلهما قبلة تعطرني سنين ، وتناديني الأزهار بكل ألوانها لتصبح ، وأنا أسمع من داخلها أصوات طنين النحل ، وخلايا عسله ليست ببعيد ، وحول كل هذا حقلي الكبير ،، أزرعه بثمار القطن والقمح ، والفول والبرسيم ، وتحرسه أشجار النخل والتين والزيتون ، ويرويه نيل عظيم أراه من شرفتي يركض ، ليروي عطش السائلين ، وعمالي شهداء ، غرسوا البذرة وشدوا الحزام حول الخصر وتركوا الحصاد للاحقين ؟!
وذات يوماً آتاني رجل متقرقن أنيق ، في سيارة يقال لها "شبح" يرتدي ثياب المدينة ويفوح منه عطراً أبكى الفل ، وكاد أن يقتل الياسمين ، وألوان ثيابه أنف منها الورد وكاد أن يذبل لولا اللطف. أحاط به حرس مهيب ، طول ليس له بعد ، وعرض ليس بعده وسع ، لوثوا الهواء ، وسببوا اختناق ، نظرت وبه انبهرت ، وعليه أقبلت ، وبه في حقلي رحبت ، دقت نغمات جواله ، فشردت العصافير ، وأشعل سيجاره "الكوبي" الفخيم فزمجرت شجرة التوت تكاد أن تفترسه لولا أن لي عندها تقدير ، وعرض علي عرض .
- هيا بنا نسوي برج ، سيعود علينا بربح وفير .
وأردت أن أستريح ، وكل سلالتي من بعدي كذلك تستريح فوافقت ، وأنا لا أدرك أني أطيح ؟!
غزت الحقل عشرات المعدات الهمجية ، وآلاف العمال الوحشية يقتلعون كل الماضي ، ويدكون الحاضر ، ويسحقون مستقبلي بسرعة شيطانية ، وقام برج ، يليه برج ، يليه برج حتى انقطع السرج ، وسكنت شقه في أحد الأبراج ، وأموالي في البنك خذ منها ماتحتاج ، ولكني أصبحت لا أنام ؟! ففي كل ليله مع غروب الشمس يأتيني خطاب ، مرسل في لاشئ ، ولا يحوي إلا سؤال ، ماالذي فعلته ببيتي ؟ ولماذا قتلت حقلي المعطاء ؟... ولا جواب
وفي كل يوم يوشك أن يثور بداخلي بركان ، كل صباح أستيقظ على أبواق السيارات ، وأتطلع من شرفتي فأرى النهر يحتضر ، والعطر الذي ألفته أنفي لم يعد ، وآه ياشجرة "التوت" أسمع نحيبها كل ليلة كطفلة وئدتها في قبر الجاهلية وثار البركان ، وأنفجر الإنسان ، ورحت أمسك فأس ومعوال ، أضرب الإسفلت ، أحطم الجدران ، ولكن بعد لحظات أصابني إرهاق ، ودرت حول نفسي مشدوهاً ، أبكي ، أنتحب ، أضرب الخدود ، أقلب الكفوف ، وأرثى لحالي ورحت أصيح - أيتها الأبراج المتوحشة من جاء بك إلى هنا .
تمت ؛؛
قريباً في الأسواق مجموعتي القصصية (ذات تبحث عن نفسها) جزء أول ... دعواتكم

الجمعة، 16 أكتوبر 2009

بيت آدم - قصة قصيرة

بيت آدم
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
اشتقت إلى هويتي ، فسافرت إلى قريتي ، لاجئاً إلى بيت جدي ، بناه آدم قبل حصر السنين ، على قمة جبل التائبين ، وظل ينادي أبناءه ، وأحفاده ، وما من مجيب ، ومضى آدم ، وبقى بيته ؟! .
انقطع الطريق ، وأصبحت مجبراً على الترجل والصعود بدون سيارة ، وكانت الشمس تتوارى ، ولما نظرت لمكمن البيت ، هالني شاهق ارتفاعه ، ووعورة الطريق ، فهمست في نفسي قائلاً :
- هذا الطريق الوحيد ، لمن يريد أن يعود للدنيا وليد !.
فشحذت عزيمتي ، وشددت أزري ، ورحت أخطوا، أسير، ، أركض ، أطوي الأرض طيا ، عسى أن أصل وأستريح . وبعد عناء ويزيد ، تفصد جسدي عرقاً غزيراً ، وأنهكت قواي ، وعصتني قدماي ، فجثوت على ركبتي ، ورحت أتقدم بثقل شديد ، وأنا أرنو بعيني نحو بيت جدي ، على قمة جبل التائبين .
وبعد وقت ليس بقصير ، انجرف صخر ، وراح يهوى من علي ، ورحت أتفاداه بما أوتيت ، وأدركت إني هالك لا محالة ، حتى آواني نتوء صخري صغير ، فراح الصخر يهوى ، وخفقان قلبي يستغيث .
ولما فرغ الجبل من مخاضه ، وأنجب كل صخراته ، أكملت المسير ، وأنا أحبو كطفل شارد ، ضائع ، يتيم ؟! تاه عن أمه ، في ظلام دامس ، يشتم عبقها ، ويحبوا نحوها ، بحماس شديد، وإذا بقط أسود سمين ، له عينان حمرا وتين ، ينقض على ظهري ، ويمزق ثيابي بأظافره القاسية ، وينال من جلدي الرقيق ، ويحفر عشرات الخرابيش ، وتنساب من بين المسام فيض من الدماء ، وتكبر آلامي ، وتتضاءل آمالي ، في الوصول ، ولا يزال القط الأسود السمين ، يسعى لإيقافي ، فإذا به يقضم أذني ، وأنا أتأوه مستغيث ، وتومض في قلبي شجاعة ، فأمسكت برقبته والغيظ يملأني ، وطوحته بعيداً عني ، فراح يموء ،و يموء ، حتى تلاشى المواء .
تبددت كل طاقتي ، فرحت أزحف على بطني ، وقد دنوت من بيت جدي ، وإذا بثعبان عظيم ، يلفني من كل جانب ، ويعتصرني بإصرار عجيب ، ويفتح فمه ، وينفث سمه ، يريد أن يبتلعني ، كما ابتلع آخرين ، وكلما كاد أن يبتلعني أهرب ، ثم يقبض ، ثم أهرب ، ثم أسقط ، حتى أمسكت يدي بحجر صوان ، صوبته إلى فتحة فمه المتوحش ، أصابه ، فراح يتلوى ، ثم يلتف حول نفسه ، ثم زحف نحو بعيد عني .
التقطت أنفاسي ، وحمدت من يحمد ، ورحت أستجمع قواي ، ووقفت على قدمي ، وأنا أدس يدي في جيب سروالي ، لأخرج مفتاح بيت جدي ، وأفتح البوابة ، وإذا بشيء رهيب ، له جسد من صهد صهر الحديد ، يغطيه شعر غزير ، وشعر رأسه كثيف ، طويل ، له قرنان محل الحاجبين ، وعين كبيرة في وسط وجهه القبيح ، أذناه تعدت حدود رأسه ، وفتحت فمه من أذنه اليسار إلى أذنه اليمين ، وقال بصوت له صدى عظيم :
- يا ابن آدم ماذا تريد ؟!
فرددت وأنا أرتعد خوفاً ، وتصطك فرائصي قائلاً :
- أريد بيت آدم ... فأنا له حفيد .
فقهقه قهقهة مزلزلة ، اهتز الجبل منها ، وكاد البيت أن يطيح ، حتى قال ساخراً :
- ولكن عليك أن تدفع ثمناً ؟!
فرددت وأنا أرتجف رعباً متوسلاً :
- لك ما تريد .... وما لا تريد .... فقط أتركني .
فهز برأسه ، وراح يمسك بذقنه ، وقال بصوت جهوري خبيث :
- فقط .... أريدك .... أن .... تسجد .... لي .
فأسرعت من فوري ، أجثو على ركبتي ، واتكأ على زراعي ، وأنا أدنو برأسي من الأرض ساجداً له ، فقد ابتلعني رعب عظيم ، وهو يقهقه بفخر شديد ، وإذا بسلامة فطرتي تردني ، ويأبى وجهي السجود لغير المعبود ، ورحت فجأة أصيح :
- يا مغيث .... يا مغيث .
فراح يتلفت خائفاً ، وأنا أتطلع لبيت جدي متشوقاً ، وإذا بمن يفتح البوابة ، ويصوب نحو هذا الشيء تفاحة ، أصابته في رأسه ، فجثا على ركبتيه ، وراح يعوي كالذئاب ، حتى أصابته مرة أخرى تفاحة ، طرحته أرضاً ، وألقته براً ، وهو يتدحرج بمرارة ، وإذا بمن يلوح لي من خلف البوابة ، يشير مرحباً هيا تعالى ، ورحت أقترب ، ثم أقترب ، فإذا بجدي آدم وجدتي حواء ، ينتظروني خلف الأبواب ، متلهفين للقائي كما أتلهف ، عاليهم ثياب بيض كاللبن الحليب ، وما أن تلاقينا ، حتى في الأحضان ارتمينا ، وأنا لا أصدق عيني ، إنني في بيت جدي .... على قمة جبل التائبين .
انتهى

أصدقاء ( دوت كوم) - قصة قصيرة

أصدقاء ( دوت كوم )
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
منذ الصباح وأنا أدور كالنحلة ، في هذه القاعة الفاخرة ، بالفندق الكبير ، فاليوم عيد ميلادي الستين .
أصبح كل شيء معداً لاستقبالهم ، أصدقائي وصديقاتي ، فهذه أول مرة أقابلهم وجهاً لوجه ، ربما هذا شيء غريب ، لكنني منذ عشرة آلاف يوم ، اشتريت حاسوب ، وعلمني أحد أحفادي كيفية استخدامه حتى إتقانه ، وأدمنت تصفح الشبكة العنكبوتية ، حتى صارت عالمي الجديد ، ومتنفس روحي الوحيد ، ولأن ليس لي في هذه الدنيا صديق بحق وحقيق ، كونت صداقات لها بعد عميق في عالم الشبكة الفسيح ، واليوم دعوتهم لحضور حفل عيد ميلادي بدلاً من أن أحتفل به وحيد ؟!
كم أبحرت في حروف كلماتهم ، وغصت في معاني عباراتهم ، وأحياناً إلتئمت في ألعابهم ، حتى تمنيت من أعماق وجداني ، قبل مماتي لقائهم ، وبعد إلحاح ، أصبح الحلم مباح ، وهاهم على وشك المجيء .
بعد قليل سأرى وجوههم ، وأستمع إلى أصواتهم ، واشتم عبق أنفاسهم ، وأصافح بيدي أياديهم ، إنها ليلة عمري ، ومفاجأة حياتي ، ورهاني على عشرة آلاف يوم أنفقتها عليهم ؟!
ومع غروب الشمس أشرقت شمس أصدقائي ، وبدأت أتلقى صدماتي ، الصدمة تلو الأخرى ، فالوجوه ليست كما تخيلتها ، أو ربما تمنيتها ؟! والأجساد هياكل صماء كاذبة لأسمائهم المزيفة ، ولكني لا زلت ألمح في لمعان أعينهم بعضاً من توهجاتي .
امتلأت القاعة بالحضور ، وامتزجت ألوانهم في تمثال من صلصال ، تزين بكل لون ، أبيض ، أصفر ، أحمر ، أسود ، أشقر ، وكأن آدم قد عاد للوجود ، وألسنتهم بكل اللغات تجود ، وسرعان ما تآلفوا بعد قليلاً من السخرية ، وهم لدعوتي يمدحون ، ولي يشكرون .
رحت أتأمل الحفل والحضور ، وبينهم أحاول أن أجول ، بلا فائدة . فخيبة الأمل ذبحتني بالشجون ، وأدركني إحباط مجنون ، حتى أيقنت إني مفتون ؟!
وقبل أن نطفئ الشموع ، شعرت بدقات قلبي تتباطأ في هدوء ، وجسدي رغماً عني ينشطر لنصفين كالموبوء ، نصف على خط الاستواء يصطلي بشمس الظهيرة ، ونصف على أحد القطبين تجمد كالمياه الأسيرة ، وصار نصف وجهي يتصبب عرقاً ، والنصف الآخر يرتعد برداً ، ولما لم يتحمل جسدي هذا التناقض ، رحت اصرخ وأنا اسقط كالذبيحة .
التئم حولي ، كل من خيبوا ظني ، وأصابتهم فجيعة ، وكست وجوههم كل ملامح البشرية الحزينة ، وفاحت من أفواههم كل عبارات المواساة الحكيمة ، بكل اللغات ، بكل اللهجات :
- حمداً لله على سلامتك .....
رحت أتلاشى ، حتى إني لم أعد شيئاً ، وقابلت أنا منذ عشرة آلاف يوماً ، متأنقاً كالعادة ، ومتغطرساً بزيادة ؟! فسألته :
- من هؤلاء يا أنا ؟ لقد خاب ظني هنا ؟
فتبسم ، ثم مني دنا ، وهمس في أذني قائلاً :
- هؤلاء هم أصدقائك ، فرحب بكل من جاءك !
فثرت فيه غاضباً وأنا ادفعه بعيداً عني قائلاً :
- لا .... إنهم ليسو كذلك .... أو ربما أني أظن ذلك ؟!
فأمسك بلحيتي بين راحة كفه ، وجذبني بقوة إليه صارخاً في وجهي قائلاً :
- وهل تريد أصدقاءاً بمقاس قدميك ؟!! أبحر في عقولهم ، وغص في قلوبهم ، ستدرك حتماً أرواحهم ، وأنهم هم أنفسهم أصدقائك .
وإذا بأنفي يجزع من رائحة البصل النفاذة ، فعدت من تلاشيا شيئاً فشيئاً ، وأنا أنظر إليهم بسعادة ، ولما ارتسمت على شفتي ابتسامة ، ارتسمت على شفاههم أصدق ابتسامة ، بكل ألوان السعادة البشرية ، ولمحت في لهفتهم براءة ، وصدق الصداقة ، في لوحة شبه خلاقة ، تلتها مني استفاقة .
ولما أطفأنا النور ، وأضاء القاعة ضوء الشموع ، رأيت أرواحهم من حولي ترفرف بخفة ورشاقة ، وأطلقت زفيراً قوياً لأطفئ الشموع وأنا أقول لأنا :
- كم أنا محظوظ !!
انتهى

الأربعاء، 16 سبتمبر 2009

حدود إنسانية ؟!

حدود إنسانية
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
لا أدري من أين أتيت ، لكني علمت أني من نطفة أبي ، في رحم أمي وضعت ، وفيه خلقت ، حدوده ظلمات ثلاث ، ومن حبل صري يأتي رزقي ، بلا قلق ، ولا إرهاق ؟! ويأتيني هواء .
وبقيت تسعة أشهر وعشرة أيام ، وربما عدة ساعات ، يعلم الكل عني ، وأنا عني لا أعلم شيئاً .
ومن بطن أمي نزلت ، واتسعت حدودي ، وصرت فرد ، في مربع صغير يسمى غرفة نوم ، وبقيت أمي الإنسان الوحيد الذي ألفت ، ولبن صدرها مصدر رزقي الذي منه نهلت ، وبين شهيقي وزفيري كبرت ، ونظرات عيني تتلقف عشرات الوجوه ، التي لها ما عرفت ، ولكني عادة بالابتسامة رددت ، وببعض الغمغمات مزحت ، وبغرغرة لعابي تسليت ، ولا أذكر إني بكيت ؟!
واتسعت حدودي ، عندما من غرفة نومي خرجت ، وصارت حدودي عدة غرف يقال لها بيت ، وزحفت وسط تصفيقاً حار ، وبقى التصفيق حتى مشيت ؟! ويأتيني من يخطب ودي ، فأصفعه إذا رأيت ، ومن أخطب وده يتجاهلني فأصفعه حتى ارتويت ، لكني كما أنا بقيت ، عرفت واضع نطفتي ، وشركاء رحلتي ، وتذوقت أطعمة ، فأحببت بعضها ، وزهدت بعضها ، وما رضيت ؟! وصرت أستحي مما تخرج أحشائي ، وبالفطرة تواريت ؟! ورحت أغوص في أعماق حدودي حتى انتهيت .
واتسعت حدودي مع زى مدرسي ، وحافلة تقلني ، وأسوار تحيطني ، وفصل يضمني ، ومعلمة تدرسني ، وزملاء يحيطون بي ، عقلي يتسع ، وقلبي يختلع ، فأنا أريد كل شيء ، ولا أحصل إلا على شيء ؟! وصارت غمغمة الرضيع سباب ، وغرغرة اللعاب بصقات ، ولكني أبداً ما استرحت ، ولا أرحت ؟!
وقبل أن يكتمل نموي نضجت ، واتسعت حدودي بحجم الأرض ، فنهلت من معارفها ، وسحت حول معالمها ، في كل البحور أبحرت ، وفي أعماق المحيطات غصت ، عسى أن أدرك حد ليس بعده حد وكلما تعمقت ، للسماء عدت ، وأدركت إنها ربما نهاية حدودي ، وسر وجودي ، فإليها اتجهت ؟!
مع من صعد للقمر صعدت ، وعليه بقدمي وطئت ، ومن حدود الغلاف خرجت ، واتسعت حدودي إلى ما بعد الأرض ، ازددت شغفاً وامتلأت ثقة ، وبعد التجول من حد إلى حد ذهبت ، أحطم كل أركاني ، أهدم كل بنياني ، وأظن إني للحقيقة قد وصلت ، ونسيت إني من مجهول أتيت ؟!
وإلى ما بعد ، بعد الأرض اقتحمت ، وعلى المريخ هبطت ، فإذا بحدود ما قبل الميلاد ، تتسع إلى حدود ما بعد الفضاء ، وفيه أضعت نفسي ، في كون له اكتشفت ، وحدود أسبح فيها وما رجعت ، تمرد دائماً يدفعني لأجتاز ما بعد الحدود ، وعلى كبح عصيانه ما قدرت ؟!
في فضاء المجرة سبحت ، ورأيت مجرات بعدها مجرات ، حتى إني ذات يوم رجعت ، وكان الشيب قد نال من رأسي ، سألت عن أمي ، فلم يجبني أحد ، ولكني أحسست ؟!
ورحت أتأمل مرقد ها ، وتفيض عينيا بأنهار من الدموع ، ولكني تحيرت ، كيف إن حدودي التي اتسعت بحجم المجرة ، تنتهي في رحم الأرض ، في حفرة تسمى قبر ؟!
انتهى

الجمعة، 4 سبتمبر 2009

الخاتم - قصة قصيرة

الخاتم
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
أحدهم يطرق الباب ، بينما الرجل ممداً على فراشه كورقة شجر ذابلة ، عيناه زائغتين ، غائرتين ، وشعره كثيفاً طويلاً ، تبعثر على رأسه المتكور ، ووجهه المقبور مابين شاربه الشارد ، ولحيته المتوحشة ، وتجول الحشرات في كل هذا ، والجرذان تتصارع على فتات لقيمات متعفنة من حوله ، في ظلام حالك ، لا تزال روح الرجل في جسده بغير معنى ، والطاقة في عقله بغير هدف ، ودقات قلبه مجرد عدد ، ونبض عروقه بغير سبب ، جف حلقه من العطش ، وتقلصت معدته من الجوع ، كان يحاول النهوض ، لكن جسده المتهاوي دائماً يخذله ، فيستسلم للرقود ، بلا حراك مقصود .
انفتح الباب ببطيء ، نتج عنه ضجيج من احتكاك الحلقات الصدئة ، الضجيج يملأ السكون ، وإذا بالغرفة المظلمة ، بوجه الضيف تضيء ، فالتفت إليه الرجل الذابل ، الراقد على الفراش الحقير ، يرنوا إليه ببصره مستغرباً ولوجه إلى ذلك المكان السحيق ، قائلاً بصوت مريض :
- ماذا يا أنت تريد ؟! أأنت ملاكاً جئت لتقبض روحي ؟!
فارتسمت على شفتي الضيف ابتسامة رقيقة ، ورد عليه وهو يخطوا بحذر نحوه ، بصوت المستريح قائلاً :
- بلى ، أنا إنسان مثلك ، مولود لمعروف فعلته !!
فأراد الرجل الهزيل أن يضحك ، فاهتز وداهمه سعال شديد ، وارتسمت على شفتيه ابتسامة ملؤها سخرية ، ويقول بينما الضيف قد التصق بالفراش الحقير :
- أنا لا أتذكر معروفاً فعلته ، ربما إنك من الضالين !!
فيجلس الضيف على حافة الفراش ، في مواجهة الرجل الهزيل ، وضياء وجهه قد أرهق عيني الرجل ، فأشاحهما عنه ، بعد أن انقبضت عضلات وجهه ألما، ولكنه استراح لما سمع الضيف يضيف ، بصوت المديح :
- لكن معروفك يتذكرك ، ولا ينساك أبداً .
فاستغرب الرجل والتفت إليه ثانية ، وهو يقاوم ويستحضر قواه ، وينظر وملامح التعب بادية على وجهه ، ثم يعود ليتأمله ، المرة تلو المرة ، حتى خارت قواه ، فألقى بجسده الهزيل ، على الفراش الحقير ، قائلاً بإعياء شديد :
- أنت تسخر مني ، هذا أكيد إني لا أعرفك .
فيربت الضيف بيده على يد الرجل قائلاً :
- إذن دعني أذكرك ؟!
وراح الضيف يذكر الرجل قائلاً بصوت الراوي الحصيف :
- منذ أربعين سنة ، جاءك رجلاً مستغيث ، تلد زوجته ولا مال عنده ، وأنت وقتها كنت ثرياً ، ولم يكن في جيبك مال ، فخلعت له خاتمك الماسي ، وأهديته له ، وبعد عدة سنوات رزق الله المستدين ، وأشترى الخاتم من جديد ، وراح يبحث عنك حيث يعلم ، وحيث أعلمه الآخرين ، حتى سلك دروب المستحيل ، ولما ملأه اليأس عاد بخيبة الأمل ، وباع الخاتم من جديد ، وهو ينوي على شيء جديد ؟!
اعتدل الرجل على فراشه ، وراح يتذكر بينما الضيف يواصل حديثه البعيد :
- هداه من يهدي ، فاشترى لصاحب الخاتم غنماً ، ورعاها له مع غنمه ، وتمر الأعوام كأنها وميض ، والأغنام تتناسل وتزيد .
فجلس الرجل على فراشه ، وأسند ظهره القليل ، على الجدار العليل ، وراح ينصت والضيف يواصل الحديث :
- ضاق الوادي بالغنم ، فراح يبيع منها ، ثم يشتري من جديد ، ولما حقد عليه الرعاة ، هداه من يهدي ، فاشترى أرضاً واسعة ، فسيحة ، عند أطراف المدينة ، وأراح نفسه ، واستراح .
فاعتدل الرجل في جلسته ، حتى قعد وأسند رأسه على قبضة كفه ، المشعر ، المشيب ، وراح الضيف يكمل الحديث :
- ويشق الأرض طريق ، وتصبح المزرعة في قلب المدينة ، وتمطر السماء على الرجل المستدين ، أمولاً حصرها مستحيل ، وبدلاً من المزرعة شيد مزارع ، ومصانع ، وأصبحت المؤسسة ، مجموعة اقتصادية ليس لها مثيل ، تصنع اللحوم ، والجلود ، والأحذية ، وتدر ألبان من كل لون .
فتحشرج الرجل ، وراح يسعل ، كأنه يلتقط نفسه الأخير ، فأسرع الضيف يعسعس حوله عن كوب ماء ، فلم يجد إلا صنبور ، فملأ كفيه ، وأسرع إليه ، وسقاه بكل ما ملأ ، حتى هدأ سعال الرجل المستكين ، وراح ينظر إلى ضيفه وهو يشير بوجه مستريح ، أن يكمل ، فعاد الضيف إلى جلسته ، وراح يواصل حديثه :
- ومات الرجل المستدين ، ويبقى معروفك شاخصاً أمامك ، فأنا المولود ، وهذا خاتمك ، وهذا صك أموالك .
إلا أن الرجل تأتيه صحوة ، وتحركه ثورة ، تجعله يصيح ، ويهب واقفاً وهو يدور حول نفسه ، والدموع تفيض من عينيه وهو يناجي من يناجي قائلاً :
- صعبتها علي أيها الضيف الكريم ، فقد كان عندي أمل والآن أضعته
وينظر إليه الضيف مستغرباً بينما الرجل يواصل قائلاً :
- أضعت آدم الذي حمل الأمانة ولم يصنها ؟
- الذي أكل من التفاحة ولا يزال يأكلها
- الذي أزهق نفس أخيه ولا يزال يزهقها
- الذي أفسد في الأرض ولا يزال يفسدها
ثم وقف ثابتاً أمام الضيف ولا زالت دموعه تفيض ، ويبدوا من صوته نحيب قائلاً :
- إذا كان هذا مردود خاتمي ، فإن ديني ثقيل حمله ، والأمانة لا تضيع ، يضيع فقط من يحملها ؟!
ويذهب مولود معروفه ، ويبقى خاتمه ، وصك أمواله ، على الفراش الحقير
انتهى

الثلاثاء، 18 أغسطس 2009

الطائرة الهلالية - قصة قصيرة

الطائرة الهلالية
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
تهيأت ثلث البشرية ، لاستقبال طائرة الضيف الكريم الهلالية ، فرحت أغتسل بجسدي الفاتر ، من ماء نهر الأردن ، عسى أن تذوب فيه ذنوبي مع قطرات ماءه العابد ، ثم ارتديت ثوباً صنع من قطن سوري فاخر ، وصبغ أبيضاً من ثلج جبل لبنان الآسر ، مقاسه بحجم آمال كل البشرية ، وأعددت التمر من الجزيرة العربية ، وكوب الحليب من بلاد الرافدين الأبية ، وآخر من ماء نيل معتق ينبع من جنة غير مرئية ، وعبق بخور نافذ ، من بلاد مغربية .
لكن أمام أجهزة الرصد لم تظهر الطائرة الهلالية ، ولم يتصل أي منتظر ليستعلم عن سبب تأخر طائرة الضيف الكريم ، غزتني نوبات قلق قوية ، فرحت أجيء وأذهب في غرفة الرصد الكونية ، حتى ومضت نقطة وضاءة ، مع صفير خافت ، إيذاناً بقدوم ضيف ثلث البشرية ، وكما الطفل الصغير رحت أتقافز ، وألوح بيدي، مرحباً ، ومهللا . وإذا بجهاز الإشارة يبث رسالة صوتية :
- لقد اختطفنا الطائرة الهلالية !!
جلست على الكرسي ، وأنا لا أصدق أذني ، وتواصل البث :
- نحن نجوم النجوم البشرية ، لا نقبل أن ينافسنا ضيف ثلث البشرية ، ولسوف نقتل أبناءه ، وبناته ، صيام ، وألف شهر ، ورحمة ، ومغفرة ، وعتق ، ثم لسوف ننسفاً الطائرة الهلالية .
أسرعت وأنا أرتعش ، أرسل لكل قادتي ، من المحيط إلى المحيط ، لينقذوا الطائرة الهلالية .
استمعوا ولا تعقيب ، حتى انقطع إرسال إشارة البث الفضائية ، وبشر فرعون ، ونمرود ، وكثيراً مثلهما، ببهجة اصطناعية :
- لقد وصل الضيف الكبير ، وهو الآن في قصر الراحة الأبدية ؟!!
وأدرك لبي أن هناك مؤامرة خفية ، تستهدف ضيف ثلث البشرية ، فخرجت أحذر كل من ألتقي ، فلا أجد لي أي آذان مصغية ، وتعجبت من بطون الناس التي تكورت ، في أجساد تقعرت ، وأفواه ثغرة ، وبالدخان نفثت ، وجلسات تجمعت ، وبالنميمة أعملت ، فجثوت علي ركبتي ، وبقيت أهمس ، ثم أصيح ، ثم أصرخ مستغيث
- أنقذوا ضيفكم وأبناءه في الطائرة الهلالية ، من نجوم النجوم البشرية .
لا أحد ينتبه ، لا أحد يستجيب ، فصرت أنتحب ، ودموعي على خدي تفيض ، فأغمضت عيني، ورميت بنفسي في بحر النفس البشرية ، وغصت ، وغصت ، وأنا أكتم أنفاسي ، حتى انتفخت أوداجي ، حتى وصلت إلى البقعة الضوئية ، فأخذت منها شحنات نقية ، طهرت بها قلبي من هوى النفس البشرية ، وعدت أدراجي وأنا أطفوا ، وأطفوا ، ولا يكاد هواء صدري يكفيني ، ولا زلت أحبس أنفاسي ، حتى طفوت فوق الماء ، فرحت ألتقط أنفاسي ، وجسدي يرتعش رعشة عزاً قوية ، وإذا بجهاز إشارتي يبث رسالة خفية :
- أنا قائد الطائرة الهلالية ، لقد حررنا الطائرة من نجوم النجوم البشرية ، وعدلنا مسار رحلتنا ؟!
فأسرعت عائداً إلى غرفة الرصد الكونية ، أستفسر عن مسار الرحلة الهلالية ، فإذا بضيف ثلث البشرية يجيبني بإجابة خفية :
- سوف نهبط على يمين مجرة نفسك البشرية ، في عمق هالتك الإيمانية ، من أمام مجموعة عقلك الضوئية ، وعلى ميناء غلاف قلبك العامر ، الاستعداد لاستقبالنا
انتهى

الأحد، 26 يوليو 2009

قبلة على الإسفلت ؟!

قبلة على الإسفلت ؟!
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
تنفس الصبح ، وأشرقت الشمس ، وتجمع عمال الطرق ، بعشرات المعدات والآلات الضخمة ، ليمهدوا من جديد ، الطريق المهجور ، وسط العاصمة الزاهية ، وما أن بدأ العمل حتى تعطلت المعدات ، وانفجرت الإطارات ، وانصهرت المجنزرات ، ونزف العمال دماً غزيراً ، ففروا بلا عودة ، وهم يصيحون ، ويستغيثون .
وبقى الطريق كما هو مهجوراً ، ممتليء بحطام مئات السيارات المحترقة ، وعشرات ، العشرات من القطط ، والكلاب الضالة ، وخيمة منزوية على ناصية الطريق ، كسوتها مرقعة بألوان البشر ، أسفل إشارة المرور المضاءة باللون الأحمر منذ دهر ، أو دهور ولم تنطفيء .
وما أن إنتصفت الشمس في السماء ، حتى أتت سيارة فارهة ، ترجل منها رجل نال الزمن منه نيلاً ، فكسى الشيب رأسه ، ولحيته ، وتجعدت ملامح وجهه ، وبقى له وقاراً وهيبة ، وسار بخطاً حذرة ، نحو الخيمة البالية ، ينادي بصوت متداعي من أيام عاصية ، فخرج ساكن الخيمة بثياب رثة ، وشعور كثة ، ودهشة متناهية ، متسائلاً بصوت العاشق من أيام خالية :
- من أنت ؟ وكيف وصلت بسيارتك إلى هنا ولم تحترق ؟!
فنظر الآخر إليه نظرة شفقة بادية ، وأشعت من عينيه نظرة عطف آنية ، وصمت ، صمت البعير على مذابح الأزلام ، وراح ساكن الخيمة يدور من حوله ، ويتفحصه بعينين مبحلقتين ، والدهشة تكسوا وجهه ، ثم صاح
- أنت من أنتظر منذ الغروب ؟! أنت من تنتظره التي هانت وعلى قلبي لم تهون ؟!
فرد عليه الآخر والفضول قد تحكم فيه :
- أي ود هذا ؟ أنا أريد أن أعيد فتح الطريق ؟!
فقعد ساكن الخيمة على الأرض ، ونظر بعينيه إلى أعلى ، وإرتسمت على شفتيه إبتسامة قائلاً :
- رد للمهد حقه ، وصون الود ، ينفتح لك الطريق !!
فنظر الآخر مستغرباً ، إلا إنه قعد أمامه منصتاً بشغف ، ليقول ساكن الخيمة والدموع تتسلل من مؤقتيه :
- عثرنا عليها في ليلة قاسية ، ملفوفة في غطاء وثير، نظر كل من نظر إليها فأسرته بوجهها الأبيض كاللبن المصفى ، ونقاء روحها ، وطيب أنفاسها ، وتنازعنا على تربيتها ، في حي كل من فيه أسير ، لفقر متحكم ، ولكن بقى في قلوبنا العطاء واجد ،أسميناها ود ، ونمت أمام أعيننا كزرع مبارك ، في أرض طيبة ، وإكتست رأسها بشعر غزير كأنه المزج بين البيداء والجبل السقيم ، فتلمحها من بعيد فتعرفها من تاج رأسها الكثيف ، وصارت تسأل عن الرحم الذي حملها ، والنطفة التي أنبتتها ، ولا نجيب ، فنحن لا نعلم ما هويتها ، ولكن بالحب أحطناها ، ولا شيئاً منها نريد ، حتى تفجرت أنوثتها ، وجاء الخاطب تلو الخاطب ، ويذهب والكرة لا يعيد ، فمن يقترن إسمه بمن لا إسم لها يشقى شقاءاً شديد ، ودرت ود بحقيقتها ، وراحت تبحث عن هويتها ، تشتم الرحم الذي حملها ، وتلهث وراء النطفة التي أنبتتها ، حتى تجمدت يوماً في هذا الطريق ، أمام سيارة فارهة ، تقودها إمرأة آسرة ، تماثلت ملامحهما ، وشخصت أبصارهما ، وخشعت قلوبهما ، وكادت الأخرى أن تبدي بها ، ولكن قسوة قلبها غلبتها ، وزيف الحياة أغراها ، فإنطلقت بسيارتها ، تطوي الأرض ، والزمان ، وذكريات آلامتها ، وخطيئة ود بها ذكرتها ؟!
ثم راح يجهش في بكاء شديد ، ويكمل بصوت النحيب :
- ولكن وهي تفر من خطيئتها ، بسيارتها صدمتها ، وانفتحت إشارة المرور ، ودارت ود حول نفسها ، غير مصدقة فعلتها ، وذلت قدماها ، وهوت على الإسفلت ، فداست فوق رأسها الرقيق ، إطارات شاحنة فجرتها ، ونضح الدم على الإسفلت ، وبقى الجسد الرقيق ينتفض بحثاً عن هويته ، وكسرت عظامها ، وتهشمت ، وسحقت ، على الإسفلت سحقاً ، بفعل مئات الإطارات ، من عشرات السيارات التي لم تتوقف ، ولم يكن في قلوب سائقيها مثقال ذرة من رحمة ، وتناثر فتات لحم جسدها ، تطعم الكلاب الضالة ، والقطط الجائعة ، حتى أغلقت الإشارة ، فركضت مع من ركض لإنقاذها . لم يتبق منها غير بقعة دم ، وخصلة شعر ، و صار قاع الطريق قرارها .
ومن جيبه أخرج خصلة الشعر ، ومد يده بها إليه ، ما أن لمسها حتى صارت قشعريرة في جسده ، ولمعان ذكري متعة فانية في عقله ، ونزيف من الندم يدمي قلبه ، وأخذ يصيح ، ويجهش في البكاء ، وينتحب :
- يا ويلي .... يا ويلي ....يا ويلي
وقام الرجل من القعود ، وأخذ يذهب ويعود ، ثم راح نحو سيارته ، وفتح بابها الموصود ، وأمسك بباقة ورد يهديها لود ، وأبقى باب سيارته مفتوح ، وجثا على ركبتيه ، وساكن الخيمة راح يهتز من بكاء شديد ، ووضعه على ضريحها الموهوم ، ودنا برأسه من الإسفلت وطبع عليه قبلة بشفتيه وهو يقول :
- ننساها ، وهناك من يحصيها ، سامحيني بعد أن فات الأوان ، يا إبنة لم يتبق منها إلا خصلة شعر ، وبقعة دماء .
ثم راح يجهش في بكاءه ، ويمرغ وجهه في الإسفلت ندماً ، وألماً ، ورحلت الكلاب لأنها وجدت من يأويها ، ولم تعد القطط بعد أن وجدت من يطعمها ، وبقى ساكن الخيمة يبيع الورود ، وأصبح على كل من يرغب في المرور ، أن يقبل ضريح ود الموهوم ، ويهديه باقة من الورود ، وسميت الإشارة بإسمها ، وصارت الناس تشتم عطر ورودها من رحم أحزانها ، فأطلق على الشارع إسمها ، ولم يمض وقت طويل حتى صارت في كل الحي محلات الورود ، فأطلقوا على الحي إسمها ، وإجتاح المدينة آلاف النادمين ، يقبلون الإسفلت ، ويقدمون الورود ، فأطلقوا على المدينة إسمها ، وأصبحت الفتاة التي ماتت بلا هوية ، هي بذاتها هوية لمدينة بأكملها مدينة (( ود ))
إنتهى

السبت، 25 يوليو 2009

من تحت الركام ؟!

من تحت الركام ؟!
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
برق يخطف الأبصار .
رعد يصم الآذان .
ظلام دامس .
ثبات عميق .
جسدي محشور بين الركام ، أحجار البيت والآلام ، جسد لا تزال فيه بقايا من الحياة ، وروح تأبى البعث والإستسلام .
لاأدري كم من الزمن مكثت في الظلام ؟! وإلى متى سوف أبقى في ثبات ؟أسئلة أطرحها منذ قديم الزمان ولم أجد لها أي جواب .
عبرت إلى أذني دمدمت محركات ، وزلزلت أقدام ، فاستبشرت خيراً ورحت أصيح ، وأصيح ، مستغيثاً تارة ، وتارة متوسلاً ، ولكن بلا جواب ، فرحت أتلوى بجسدي الهزيل ، لأخرج من بين الركام .
وبعد شقاء وعناء ، إنسلخ جلد جسدي وسط الركام ، وتحررت من أسري ، وبدأت أصعد إلى الأعلى ، والضوء المريض يتسلل إلى عبر نفق مظلم يملأه الحطام ، بصرت عيني ، وإستبشرت روحي ، ورحت أزحف نحو الآمال ، حتى برأت رأسي من تحت الركام .
نظرت حولي بإعياء ، وأنا أكاد لا أرى إلا أشباح ، ولا أسمع إلاطقطة البنادق ، وهدير المدرعات ، وأزيز الطائرات .
ولمع في ذهني بريق الذكريات ، كنت جالساً وسط أهلي ، في بيتي الذي يحيط به بستان ، وتطل شرفته على مسرى سيد البشرية ، وأري من غرفة نومي قبة المعراج ، لكن أين بيتي ؟ ماذا حدث لأهلي ؟ وكيف أشجار الزيتون ؟ ومن هؤلاء الأشرار .
وإذا برافعة جرافة توشك أن تطيح برأسي ، وأنا أصيح في هياج :
- توقف أيها السائق إنني لا زلت على قيد الحياة !!
فساد صمت ، فسكون تام ، وإحتشد الجميع من حولي يتأملونني كأنني شيء هام ، ثم تبادلو نظرات الدهشة والإستغراب وإذا بقائدهم يسألني بصوت كعواء الذئاب :
- كيف بقيت إلى الآن على قيد الحياة ؟!
فرفعت رأسي إلى السماء ، ثم رنوت إليه ببصري قائلاً :
- لقد نكب بيتي بالأمس ، وينجي من يشاء !!
سرت دهشة عظيمة بين العقول ، والأذهان حتى عاد قائدهم يسأل بصوت الذئاب :
- أتدعي أنك هنا منذ الأمس ، ألا ترى ما حولك من متغيرات ؟!
فدرت برأسي والألم يعتصرني بلا رحمة ، وأنا أتفاجأ بما قال ، بيتي غير موجود ، ولا بيوت كانت حوله ، وبستان الزيتون ذهب وصار بستان من الدماء ، عشرات البيوت الشاحبة أتت مع الأشرار .
فصرخت وأنا أنفجر من الغيظ قائلاً :
- ماذا فعلتم بأرض الرباط ؟ أين ذهب أهلي أيها الأوغاد ؟ وماذا حل بأشجار الزيتون يا أشرار ؟
فإنحنى القائد ودنا برأسه من أذني هامساً :
- الأرض لنا بالميعاد !! وأهلك تجدهم بين راقد تحت الثرى ، أو مشتت في الأمصار ، وأشجار زيتونك أحرقناها لنعيد حضارة شعب مختار .
وعاد منتصباً وهو يصيح في سائق الجرافة قائلاً :
- إسحقه يا فتى ولا تترك منه يوماً واحداً ؟!
وراح سائق الجرافة يعتدل بجرافته ليسحقني ، ورحت أقاوم بكل ما أوتيت من ميراث ، وما كادت رافعة الجرافة تدهسني حتي تحررت من بين الركام ، ورحت أتدحرج نحو لا شيء ، حتى أنجو من موت لا مستحق ، وعلى يد جماعة من الأشرار ، وبالرغم من كل الآلام وقفت ، وإنتصبت هامتي وعلت إلى السماء ، وأنا أصيح في غضب :
- هيا إرحلوا مع من رحلوا ، ولا تعودوا مرة أخرى لهذه الديار !!
إستشاط القائد غضباً ، وهو يرى الجسد الذي ظن إنه ميت ، لا تزال فيه الحياة ، ووميض الذكريات التي بداخلي ، صارت وهجاً أحرق كل آملاهم في البقاء ، فصرخ بصوت الذئاب قائلاً :
- إقتلوه ، إنسفوه ، لا أريد حتى ذكراه ؟!
فتدافعت نحوي عشرات الجنود المدججة بالسلاح ، وعشرات الدبابات الوحشية بزمجرة العنفوان ، وعشرات الطائرات الحربية بأزيز الكبرياء ، وراحت الطلقات ، والقذائف ، والصواريخ تلاحقني ، ورحت أركض نحو لا شيء وأنا أتطلع إلى السماء متمتاً :
- يا ربي درع وسيف وإستشهاد
وتفتق جسدي الهزيل ، بدرع من حديد ، ما أدركته إلا بثقل حركتي ، وغصن زيتون يابس مهمل على الأرض ينجذب إلى يدي سيف مسلول جامح ، وينبعث من بين التراب حصان أبيض تحيط به الدروع من كل جانب ، إقترب ، وحنى رأسه ، ثم جثا على ركبتيه لأمتطيه ، وإنطلق نحو الأفق يطوي الأرض وأنا أظنه غوي شارد ، فإذا به بعيد ، بعيد ، من تحت الشمس ، يغازل الأرض بحافره ، ثم راح يركض سريعاً ، وصهيله يملأ الآفاق ، متجهاً نحو المعركة ، وأنا أتمنى رمحاً فيأتيني ، فأرم به طائرة فتتحول إلى أشلاء ، وأتمنى قوساً وأسهما ، فتأتيني وأرم بها الدبابات فتتحول إلى فتات ، وما أن إقتربت من الإلتحام ، حتى وجدت كل ذرات تراب الديار من خلفي ينبعث منها فارس يرتدي درعاً ويمسك سيفاً ، ويمتطي جواد ، وراح الأوغاد يفرون في كل واد ، ونحن نقتلهم بلا هواد ، وأنا أبحث عن قائدهم حتى وجدته يتحول إلى أفعي لها خمسين رأساً ونيف ، تطوحنا بذيلها ، وتسممنا بأنيابها ، فتكاتفنا جميعاً ، وأحطنا بها ، فتشتت جهدها ، وراحت تتلقى ضربات قاتلة على الأعناق ، حتى هوت وسقطت على الأرض بلا حراك .
وانتهت المعركة بنصر ساحق لا لبس فيه ، وإنطلقت والجيش من خلفي، أحمل راية لا كونية ، إيذاناً بإنتهاء آلام البشرية .
إنتهى

"فوركس اونلاين"

http://ar.forexfloor.com/

الأحد، 19 يوليو 2009

الزورق

الزورق
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
أخيراً إنتهى حفل الزفاف ، وآن لي أن أحمل عروسي وأرحل ، ترحل الناس في سياراتهم ، وأنا أرحل في زورق لأني صياد ، البحر دنياي ، وعلى الجزيرة مسكني ، والرزق في شباكي ، والأسماك مأكلي ، هذا قدري وأنا سعيد به
سرت على الجسر الخشبي وسط المياه حيث يرسوا زورقي ، بينما العروس لا تزال تودع أهلها وتتلقى المزيد من النصائح ، ولا زلت غير مصدقاً أنني سقطت في شباك إمرأة وتزوجت ، إنني لم ءألف النساء ، ولا أحسن معاملتهن ، ثم إنني بالكاد أعول نفسي ، فكيف أعولها ، ثم أبنائها .
كدت أطيح في البحر بينما أرفع مرسى الزورق من هذا العبأ الثقيل فصببت عليها جام غضبي وصرخت فيها منادياً :
- هيا أيها العروس ... فأنت بالكاد تزوجتي ، ولا يزال أمامنا سفر بعيد .
إرتعبت المسكينة وراحت تمسك بفستانها الأبيض الطويل وتركض نحوي حتى غضبي لا يستشيط ، وما أن أطرفت عيني إلا وكانت أمامي ، وأنا أنظر إلى الجسر الطويل ، وجسدها المنهك ، وأنفاسها التي تتلاحق كأنها عبرت المحيط !! أشفقت عليها وكدت اعتذر لها ، لكن لا.... لا هذا مستحيل .
قفزت إلى الزورق كأنني عاشق ، وإحتضنني الزورق كأنه عشيق ، وبقيت العروس على المرسى بلا عاشق ولا عشيق ، تنتظر يداً ممدودة ، فأبت اليد أن تلبي ، وتحجر قلبي بين الضلوع ، وأقسمت إذا لم تقفز فلسوف أتركها على المرسى وأرحل .
وكأن ما همست به في نفسي قد ذاع في الوجود ، وإذا بها تقفز في يأس المنتحرة على متن الزورق وتستقر في قاعه وهي تتألم بأنات صامتة ، وتنظر لي في ذهول ، جلست في وسط القارب ، وأمسكت المجدافين ، ورحت أجدف في حماس ، وأنظر لها وهي تتوارى من الألم ، وتكتم النواح ، حتى تمكنت من الجلوس أمامي وبدأت تشعر بإرتياح ، وساد صمت ، خيم عليه سكون ، فضحه ضوء القمر ، المتلأليءعلى بساط ممدود بلا حدود ، يشقه زورقي الجامح بلا هدوء .
راحت تتنحنح ، وتتحشرج ، تحاول أن تستنطقني ، وأنا في وعثاء السفر غارق ، ومن التجديف منهك ، وأكظم غيظي ، فالزورق لم يكن ثقيلاً هكذا من قبل ، والطريق أبداً ما ألفته طويلاً ، تفصد جسدي عرقاً غزيراً ، غزيراً وإبتل ثوبي وتغلغت نسمات باردة في عظامي ، فسرت في جسدي قشعريرة ، وتباطأ الزورق شيئاً فشيئاً حتى كاد أن يتوقف وإذا بصوت آسر ، يدغدغ مسامعي :
- هل تسمح لي أن أساعدك ؟!
تكبرت أن أجيبها ، وأنا في نفسي أتوسل لها أن تفعل !! فدنت مني وجلست إلى جواري ، وأمسكت بالمجداف وراحت تضرب الماء بقوة الضعيف ، وراح الزورق يندفع ، ويندفع كأنه مستكين ، ويهلل الماء لمجدافها ويناشدها بالمزيد ، فإنحرف الزورق في إتجاهها ، ولم أستطع مجاراتها ، فدار الزورق حول نفسه حتى صرت أستحي وأتلفت حولي عسى أن يشفق علي البحر ويبتلعني من هذا المشهد الرهيب ، فهمست بصوتها الآسر مرة أخرى متسللة إلى أعماق ، أعماق قلبي قائلة :
- هل يمكن لك أن تستريح ؟
لم أتمالك نفسي ورحت أضحك ، وأضحك ، وأضحك ، ويعود صدى ضحكاتي إلي فأضحك أكثر ، وأكثر، وأكثر ، وأنا أنظر إلى هذا المتكبر يتنحى عن متن زورقه ، تاركاً مجدافيه لزوجته ، لأنه هوى من تعب مرير ، ولما إستقريت على مؤخرة الزورق ، وبدأت ضحكاتي تتوارى مع فضيحتي المدوية ، سألتها :
- لماذا قبلتي الزواج بي ؟
فنظرت إلي وهي لا تزال تجدف كأنها ولدت في زورق قائلة :
- أنا لم أعترض على ما وافق عليه أهلي ؟!
فنظرت لها هازاً رأسي بأنني لم أفهم ، فقالت مستئذنة :
- أتسمح لي بأن أشيح حجابي ؟!
فأسرعت مازحاً :
- ولما لا فأنا لست إلا زوجك !!
تركت المجدافين ، وأشاحت بالحجاب عن وجهها ، وقد إرتسمت على شفتيها إبتسامة شاهدت فيها أفق الجنة ، وكشفت عن ساقيها ، وشمرت عن ذراعيها ، وراحت تجدف بحماس بالغ ، وشعرت بأنني مع صديقاً ألفته وليس إمرأة تزوجتها ثم قالت :
- أنا لم أخير حتى أختار ، والزواج قدر نخضع له متى جاء !!
نظرت لها مستغرباً ، مندهشاً ، متسائلاً :
- ألم تعشقي من قبل ؟!
ضحكت ضحكة مجلجلة وحماسها في التجديف راح يزداد وقالت :
- وهل علمت بعشق في هذه الديار ؟! نحن إذا عشقنا الشمس كسفوها ! وإذا عشقنا القمر خسفوه ! حتى الظلم إذا ما عشقناه نصروه؟!
فصحت فيها معترضاً أحاول أن أهدأها :
- ليس لهذه الدرجة فنحن نقدركن ، ونصون مشاعركن !!
فعادت تضحك ضحكتها الساخرة قائلة :
- أية مشاعر يا سيدي ... نحن لدينا عقول إذا فكرنا بها أتهمنا بالجنون ، وقلوب إذا عبرنا عنها أتهمنا بالفجور ، ومشاعرنا يجب أن تبقى حبيسة صدورنا حتى ينزلونا القبور !!
ووجدت نفسي أنظر في قاع الزورق تهرب عينيا من مواجهتها ، فأنا منذ غمضة عين كنت قاسياً عليها ، وتعاملت معها أسوأ مما أتعامل به مع زورقي ، لا أدري ماذا أفعل ، كيف أتقرب إليها ، وأنا أرنوا منها بطرف عيني ، اتأمل وجهها الأبيض المستدير ، بملامحه الملائكية ، و جسدها الثائر ، الذي فجر بداخلي ينابيع لم تكن تتفجر لولاها ، حتى قالت :
- أتعدني أن تحبني ؟ وإذا ما كرهتني لا تظلمني ؟!!
أسرعت نحوها وأنا أشتم عبق أنفاسها الطاهرة ، وتلفحني خصلات شعرها المتراقصة ، لأقول بصدق لأول مرة يغمرني :
- نعم أعدك بذلك !!
تهللت أساريرها ، ولكن بدا تجديفها يخفت ، ويخفت ، حتى كاد الزورق يتوقف ، فرحت أجدف إلى جوارها ، فراح الزورق ينحرف في إتجاهي ، حتى أنهكت تماماً فشددت على أنامل كفها الصغير ، فإرتعشت يديها ، وإرتجف جسدها ، وراحت تغوص في أعماق ، أعماق عينيا ، وصدقت لغة العيون عندما قالت عينيها كل قصائد العشق لعينيا ، وهمست بصوت العاشق في أذنيها قائلاً :
- سامحيني على قسوتي فإن الرجل الشرقي لا يكون إلا بقسوته رجلاً ، متكبراً أنا وكل من حولي صغار ، والحب كما توارثته إمتلاك ، فإمتلاك ، فجحود ، فاستريحي الآن يا حبيبتي .
وجلست على مؤخرة الزورق ، ورحت أنا أجدف، وأجدف ، وأجدف ، وأصبح الزورق الذي كان ثقيلاً ، ريشة في الهواء ، وإذا بالزورق يغوص في الرمال ، لقد وصلنا الجزيرة ، وكان الإبحار قصيراً ، قصيراً ، قفزت من الزورق ، وأنا أمد يديا لتمسك بيديها ، حتى فاجئتها بأني إلي جذبتها ، فراحت تطلق ذراعيها في الهواء ، وسقطت بين ذراعي ، فحملتها وأنا أمتلأ سعادة بحملها، وأنشد وأنا اخطوا بجدية :
- مرحباً بك يا شريكتي .... في جزيرتي !!
إنتهى

السبت، 18 يوليو 2009

حقيبة الرحلة الأخيرة !!

حقيبة الرحلة الأخيرة ؟!
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
علا صفير مكابح القطار ، ودوى نفير قاطرته ، وراح الركاب ينزلون الواحد تلو الآخر ، ضوضاء ، غوغائية ، ومكبرات الصوت تنادي :
- على السادة ركاب قطار الرحلة الأخيرة إحضار حقائب أمتعتهم .
تلفت حولي وأنا لا أكاد أرى شيئاً ، أبحث عن حقيبة أمتعتي ، وإذا بها محفوظة على أحد الأرفف ، كانت ثقيلة ، ثقيلة ، وثيابي تعيقني عن الحركة ، بقسوة شديدة ، شديدة ، وبالرغم من ذلك تمكنت من الهبوط إلى الرصيف .
ضوء خافت ، في ظلام حالك ، وزحام شديد ، أفواج ، وأفواج من البشر حشدت ، هبطت كلها من القطار ، وتتدافع في كتلة بشرية واحدة ، كموج متلاطم في أعالي البحار ، أشفقت على نفسي من ذلك الزحام ، ورحت أتلفت يميناً ويساراً أبحث عن مخرج ، بلا جدوى ، فألقيت بجسدي الهزيل ، وسط الحشد المهيب ، وأنا أجر حقيبة أمتعتي ، على أطراف أطراف أصابعي كانت خطواتي ، ومن ثقب إبرة كانت تأتي أنفاسي ، دارت الدنيا من حولي ، وتفصد جسدي عرقاً غزيراً ، وكدت أن أغوص وسط الحشود ، لولا أني رأيت نهاية الرصيف على مرمى مني .
في نفس الضوء المريض ، جلست أمام أحد المستقبلين ، أعطاني ورقة بها خمسة أسئلة ، أمسكت بالورقة ، قلبتها ذات اليسار ، وذات اليمين ، وأجبت على الأسئلة ، ويملأني إستغراب شديد ، حتى أشار لي بالمرور عبر البوابة ، وأنا أحمل حقيبة أمتعتي ، وأتجه نحو باب عظيم ، وتتداعى إلى أذني ، تأوهات الندم ، وصيحات الخوف ، وصرخات الألم ، لم أستطع أن ألتفت ، ولا حتى فكرت في ذلك ، فالمستقبلين غلاظاً ، شدادا .
وبينما الفرحة تملأني لأنني أوشكت أن أجتاز البوابة ، إذا بأصوات مبحوحة تنادي علي ، وتلح في النداء ، هذه الأصوات تألفها أذني ، أدرت رأسي يميناً ويساراً أبحث عن من ينادي ، فإذا بهما أبي ،وأمي ، إقتربت ، إزددت إقتراباً ، وأنا مندهش ، ألم يموتا ؟ لقد دفنتهما بيدي، وصببت على قبريهما الماء ، وزرعت لهما النخل والزيتون ، والصبار ، هل عادا إلى الحياة ؟ ولكن كيف ؟
تعانقنا بإشتياق ، وضمتني أمي إلى صدرها ، والدموع تفيض من عينيها وتصيح :
- ما خيبت ظني يا ولدي ؟ وصدقت تربيتي لك
بينما والدي يمسح بيده على رأسي قائلاً :
- أنجيتنا بطهارة قلبك يا ولد ، وكنت أنا لها من الساخرين ، زهدت ، فعلوت يا ولدي .
وكان السؤال يلح علي طيلة الرحلة ومن غير أبي يجيب عليه :
- أين نحن يا أبي ؟ وكيف عدتما للحياة ؟
ضحك ضحكة مجلجلة ، هزت أركان المحطة ، وفاضت الدموع من عينيه ، وهو يقهقه ، حتى قال:
- نحن هنا يا ولدي ؟
إتسعت حدقتا عيني مستغرباً ، فواصلت أمي :
- نحن لم نعد للحياة ؟
ونادى المنادي بمرور الركاب عبر بوابة الزمن الخلفية ، وأنا أتأمل والديا متسائلاً :
- ألن تأتيا معي ؟
فقالا في صوت واحد :
- لقاء قريب !!
وتلاشى الأثنين معاً ، بعيداً ، بعيداً ، وأنا شارد الذهن ، مشتت ، لا أستطيع أن أقبل بالحقيقة ؟!
وركضت نحو بوابة الزمن الخلفية ، وأنا أحمل حقيبة أمتعتي الثقيلة ، حتى مررت من تحتها ، ساعة في حجم القمر ، وعقاربها كناطحات السحاب ، ولكن زمنها لا يتقدم ، ولا يتأخر ، وليس بها أرقام ، بها صفر كبير، عملاق ، وفور عبور البوابة أمسك بي الحراس ، شدوا وثاقي ، ووضعوا حقيبتي الثقيلة على الميزان ، فاضت دموع عيني كالأطفال ، أهاب النتيجة ، أخشى العاقبة ، أحاول أن أتخلص من قيدي بدون فائدة ، وطبت كفة الميزان تحمل حقيبتي ، فصحت مهللاً ، لقد نجوت من أصعب إمتحان ، ونظر الحراس صوبي مستغربين فرحتي ، وهم يشيرون لي بأن أهدأ ، دون جدوى ، حتى جاء حشد عظيم ، وأنا أتفحصهم ، أحاول أن أشخصهم ، هذا أبي ، وتلك أمي ، وهؤلاء إخواني ، وأخواتي ، أصدقائي ، صديقاتي ، أبنائي ، وبناتي ، وآخرون لا أعرفهم ، ولكنهم يعرفونني ، فتحوا حقيبتي ، سلبوا أمتعتي ، القطعة تلو الأخرى ، إقتسموا ما في حقيبتي من خيرات ، وأنا أصيح فيهم :
- أتركوا أمتعتي ، أنتم لستم بأهلي ، أنا بريء منكم
وبدون أي فائدة ، أتعبت حالي ، وفرغت حقيبتي ، وتبقى من الحشد قليل ، دسوا في حقيبتي قمامتهم ، ونقل الحراس حقيبتي إلى أقصى اليسار بدلاً من أقصى اليمين ، وأنا أدرك أنني ضائع ، هالك لا محالة وتدلى رأسي على صدري ، وتملكني يأس عظيم ، وقد تداعي إلى أنفي رائحة شواء ملايين الأطنان من اللحوم ، فصحت في الحراس متوسلاً :
- فكوا وثاقي فإن لي في البيت أمتعة سوف أحضرها !!
نظر كبير الحرس وقال بصوت لا رحمة فيه :
- لا عودة من هنا !!
وبقيت أنا أصيح ، واصرخ مستغيث ، وإذا بمن يهزني من كتفي قائلاً :
-إستيقظ يا رجل ، فالقطار على وشك المجيء ؟!!
إنتهى

الاثنين، 29 يونيو 2009

أقزام البيت الكبير ؟!

أقزام البيت الكبير ؟!
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
سعادتي اليوم ليس لها حدود ، فأنا أحمل رسالة خطيرة ، إلى الرجل الأسير ، في البيت الكبير .
واليوم أيضاً نهاية دوامي في مهنة ساعي البريد .
منذ عشرات السنين وأنا أنظر بلهفة لهذا البيت الكبير ، من فوق جبل ساحق ، شهيق ، أو من فوق برج عاجي ، معزول ، وفي كل مرة أراه بشكل جديد .
ويبقى الثابت فيه، بيت كبير ، كبير ، واسع ، فسيح ، له شرفات أربعة ، ويتوسطه مسبح أحمر طويل ، طويل .
وها أنا ذا بعد مشقة الطريق ، أتأقزم تحت أسوار البيت الكبير ، ويتفصد جسدي عرقاً غزير ، وألتقط أنفاسي من الجهد تارة ، والرهبة تارات ، فيا ترى ماذا وراء أسوار البيت الكبير ؟! وكيف يكون الرجل الأسير ؟!
رحت أتلفت ذات اليسار ، وذات اليمين ، عسى أن أجد مدخلاً لهذا البيت الكبير ، بلا جدوى كنت أبحث ، ففكرت أن أتسلق الأسوار كأنني لا زلت شاب صغير !! فرنوت بطرف عيني ثم تابعت بعينين متلهفتين ، وإذا برقبتي ترفع رأسي لأعلى ، ثم لأعلى ، حتى فقدت توازني وطحت على الأرض وأنا أصرخ ، أصيح ، وأضحك ، أقهقه على نفسي ، وأنا أفكر في تسلق سور لا أرى نهايته !!
جلست على الأرض وقد نال التراب من سترتي ، والجهد من جسدي ، واليأس يكاد يملأ قلبي ، أين المدخل لهذا البيت الكبير ؟! ولماذا لهذه الدرجة هو حصن ، حصين ؟! وعدت أشحذ عزيمتي ، وأتطلع للتجول في ساحات وغرف البيت الكبير ، وأنظر للعالم من شرفاته الأربعة ، وأسبح في الحمام المرجاني الأحمر الطويل !! فإنتابتني ثورة ، وقمت ، ركضت ، وأنا أتقافز كطفل صغير ، نحو سور البيت الكبير ، ولما دنوت منه بقيت راكضاً ، كأني أسعى لإصطدام رهيب !! وتعالت ضحكاتي مجلجلة ، بهذا الجسد الهزيل ! سأقض أسوار البيت الكبير ؟!
تلامس كتفي الضعيف ، بأحجار الأسوار ، فتزلزلت الأرض ، وإهتز السور ، راح يترنح ، وجاء يتأرجح ، حتى دك السور ، وهوى من حيث لم أرى ، حتى صار ركامه تحت قدمي ، وإنكشفت عورة البيت الكبير ، صحن فسيح ، فسيح ، وزحام كثيف ، كثيف ، وإذا بأقزام يحتشدون ، ومن حولي يلتفون ، يعتمرون قبعات حديدية ملونة ، ويحتمون بدروع زجاجية مبلورة ، ويضربون الأرض ضرباً مزلزلا، ويطلقون صيحات مجلجلة ، فجثوت على ركبتي رافعاً يدي فوق رأسي مستسلماً ، ومتوسلاً ، فلما جثوت إنسحبواً ؟! كتمت ضحكاتي التي تتدافع من أعماق أعماقي ، ودهشتي التي ملأتني حتى كدت أنفجر منها ، أهذا هو البيت الكبير ؟! وهذه الأقزام من تسكنه ؟! ياله من شيء عجيب ! عجيب .
وقفت وغطرسة القوة تملأني ، وغرور العمالقة تملكني ، فرحت أتقدم في ردهات الييت الكبير ، وأنا أستبيح كل ما تقع عليه عيني ، أو تلمسه يدي ، وأنا أنادي ، أصرخ ، أصيح :
_ أين أنت أيها الرجل الأسير ؟! يا ساكن الوهم الكبير !!
وإذا بمئات الأقزام تحتشد من جديد ، وتلتف من حولي ، وتلقي علي شباك من حديد ، من ثقلها رحت أهوى حتى جثوت على ركبتي ، ثم إستويت والأرض ، وصار وجهي مسحوق ، ذليل ، فدنا من وجهي نعل حذاء غليظ ، رفعه منتعله على خدي ، وراح بلا رحمة يدهسني كأني له عدو منذ ملايين السنين . وبلا وعي رحت أصرخ ، وأتوسل له أن يرحمني ، وتترائى أمام عيني أجساد معلقة كذبائح على أسوار البيت الكبير ، وأخرى مطاردة في فضاء أضيق من حبل الوريد ، وتزاحمت على أذني صيحات مجلجلة ، وأخرى متألمة ، حتى لم أعد أفرق بينهما ؟! وآخرون بالسياط يجلدون ، وبالنار يكتوون ، وفي الزوايا أجساد فحمتها صواعق الكهرباء ، وحرائر عاريات لم يتبق من أجسادهن إلا العظام ، وفي السراديب عبر أنفاق الظلام ، آلاف ترقد بدون سلام ، فصحت غاضباً في ذلك الحذاء ، وأنا أسأله :
- من هؤلاء ؟!
فرد مستغرباً بصوت خشن فيه من القسوة ما تشاء :
- هؤلاء هم أعداء الزعيم ؟!!
فأسرعت مستفسراً :
- الرجل الأسير ؟
فرد مزمجراً:
- جلالة الملك ، سمو الأمير ، فخامة الرئيس ؟!
فصحت فيه وأنا غاضباً :
- إني احمل رسالة عاجلة للرجل الأسير .
فضحك ضحكة ليس بها من الضحك إلا الرنين وقال في سخرية :
- تقصد العملاق الأخير ؟!
فأشرت بيدي أن نعم ، ووجدت نفسي أجر من قدمي مهين ، ذليل ، عبر طرقات واسعة ، والأقزام تتأملني كأنني شيء غريب ، أقزام متصارعة ، وأخرى محتلة ، وأخيرة لاجئة وما من مغيث ، ورحت أرقب من بعيد ، بعيد ، وجوه اليأس تملكها ، وعيون الرعب أفزعها ، وأبت إلا أن تخترق أذني بلا رحمة ، أنات ، وآهات ، ونحيب ، لم تكن من البشر ، بل من الأرض ، والأحجار ، والسنين ؟!
وتوقفت الأحذية ، وراحت تفك أوصادي ، وأنا في حالة بالية ، أستحي من نفسي ، ولا أكاد اصدق ما حل بي من مجموعة أحذية ؟! حتى تنحنح صوت ينبهني ، ملأ قلبي بالطمأنينة ، وأشعرني أنني باق في دنيا جميلة :
- مرحباً يا ساعي البريد ؟!
سمعت هذا كترتيل الترانيم ، وتذكرت إنني لا زلت ساعي البريد ، وسأبقى كذلك ، سأبقى حتى لا يعد في الدنيا وليد !! ولكني أجهشت في بكاء شديد ، شديد ، وفاضت من عيني أنهاراً ، تكفي لتفيض أنهار البيت الكبير ، وضحكت في الوقت نفسه ، ضحكات مجلجلة ، رنانة ، وأخذت أهز أكتافي وأقهقه ، من فرحة لقائي بالرجل الأسير ، ربت على كتفي بيده وأمسك بي ، وجذبني لأعلى ، وأنا بجسدي أستجيب ، ولا زلت أجهش في بكائي ، ولا يزال يهزني ضحك مميت ، حتى أدارني إليه ، ولامست أطراف أنامله لحيتي التي مرغت في تراب الوهم الكبير ، ورفع رأسي وأنا لا زلت أجهش في بكائي ، ويهزني ضحك مميت ، ومن بين غرورقت الدموع ، لمحت نوراً ، منبعث من وجه آسر ، بريء من كل الذنوب ، فرحت أكبح جماح بكائي ، وأضع اصابعي على شفتي لأمنع ضحكاتي ، حتى توقفت تماماً ، فمد يده إلي مصافحاً وهو يكرر :
- مرحباً يا ساعي البريد
فنظرت في الأرض على إستحياء وقلت بصوت المنكسر الذليل :
- هذا ما تبقى مني يا سيدي ! فأنا حطام ساعي البريد !
فعاد ورفع رأسي لأعلى قائلاً :
- لا تقل هذا فلك العمر المديد !! وإن لي عندك رسالة فهل بقيت ، أم سحقت تحت نعالهم ؟!
فرحت أفتش في كل أركاني ، ووجه يكسوه فزع كبير ، حتى لامستها مندسة بين آلام قلبي ، وأحزان صدري ، فصحت وأنا أمسكها وأعطها له :
- وجدتها يا سيدي ، الرسائل لا تضيع ، يضيع من يحملها !!
فتح الظرف ، أمسك بالخطاب ، ورقة حمراء ، يسكنها حبر أخضر وهاج ، ويحدها خطوط صفراء ، وحمراء ، وبيضاء ، مرسوم فيها صقور ، ونسور ، وغربان ، وتيجان ، وخناجر ، وسيوف ، ونخل ، وزيتون ، ورمان ، وليمون ، وبرتقال ، وأخذ يتمتم قائلاً :
- ولد الأمل من رحم اليأس ، والبؤس ، والحرمان ؟!
إنتهى

الأربعاء، 17 يونيو 2009

أصعب دموع - قصة قصيرة

أصعب دموع
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
أعمل في هذا المتنزة منذ سنوات ، وهي تأتي على كرسيها المتحرك من قبل أن أعمل ، يدفعها سائق متأنق ، يأتي بها في الصباح ، ويعود بها في المساء ، بقيت لسنوات وأنا أراقبها ، تجلس أمام البحر وتنظر إليه ، كأنها تحدثه ويحدثها ، وفي يدها كتاب لا يغادر كفيها الرقيقين ، داهمني الفضول ، ولما إحتلني قررت في هذا اليوم أن أقتحم خلوتها ، وأتعرف عليها ، وأكشف سر هذا الكتاب الذي بين كفيها ، إقتربت وأنا أرتعش ، فجمالها أخاذ ، وجاذبيتها ساحرة ، وكلما إقتربت تداعى إلى أنفي رائحة عطر لم أشتمه من قبل ، وقفت خلفها في خشوع ، وشعرها المنسدل على كتفيها ، ثم على الكرسي ، تنبعث منه حرارة ، تكفي لتدفأتي من برد السنين ، أوشكت أن ألمسه بأطراف أصابعي لكني تراجعت ، تقطعت أنفاسي ، وإنتابني شعور مفاجيء بالدوار ، ورحت أترنح ، حتى إلتفتت إلي بعينيها الخضراوتين ، ونظرت إلي نظرة ثاقبة ، فتجمد الدم في عروقي ، وإحمرت وجنتي في آن واحد ، حتى إرتسمت إبتسامة رقيقة على شفتيها العنقودية ، فرددت بمثلها ، ثم أشارت لي بالجلوس ، جلست أمامها وأنا في حلم جميل ، وقالت بصوت ساحر أخاذ ، ووجه آسر خلاب :
- هل أستطيع أن أخدمك بشيء ؟
فهززت رأسي مرة بلا ثم بنعم ثم بصمت مطبق ، راحت تنظر إلي مستغربة ، وإستجمعت عندها قواي ، وشحذت عزيمتي ، وسللت حماستي وقلت :
- لقد أردت أن أتعرف عليكي ، فأنا أراقبك منذ سنوات !!
فأحمرت وجنتيها من الخجل ، وراحت تنظر إلى الأرض في إرتباك شديد ، ثم واصلت :
- أنا لا أقصد مضايقتك ، ولكن الفضول ، وربما الإعجاب جرأني اليوم لأقتحم خلوتك
فلملمت أشلائها ، وراحت تضحك بهستيرية ، وأنا مستغرب تماماً ، ثم قالت :
- تراقب إمرأة مقعدة في العقد الرابع من عمرها !! أنت غير طبيعي !!
وشعرت بإنها لا تصدقني ، وبدت ملامح الضيق على وجهي ، وخيبت الأمل تشع من عينيا ، وأوشكت على القيام ، فربتت على كفي بحنو بالغ قائلة :
- لا تغضب ، أنا مدينة لك بأول ضحكة في حياتي !!
فسألتها مباشرة وبقسوة :
- ما هذا الكتاب الذي بين كفيك ؟!
فقلبت الكتاب بين كفيها ، ثم نظرت إلي ، ومدت يدها لتعطيني الكتاب ، قائلة :
- تفضل !! يمكنك أن تقرأه ، إنها ذكريات حياتي !!
أمسكت الكتاب ورحت أقلب في صفحاته بنهم شديد ، لا أحرف ، لا كلمات ، لا عبارات ، صفحات بيضاء ، إبتلت ، وجفت ، فنظرت إليها مستغرباً ، لتقول :
- أنا لا أجيد الكتابة مثل الأدباء ، وتلح علي خواطر كثيرة سجلتها بالدموع ، كلها بالدموع !!
فإتسعت حدقتي ، وثغر فاهي ، وهي تنظر إلي وتضحك ، تضحك ، ثم قالت :
- دعني أوضح لك !!
ورحت أقلب في صفحات الكتاب وهي تخبرني بكل نوع من أنواع الدموع المجفف على الصفحة
دموع الغـــــــــــــــــــــــــــــــــضــــــــــــــــــــــــــب
العنــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
الرضا
الوفاق
الصلح
الوفاء
الألم
الوجع
الإشتياق
القهر
الظلم
الحرمان
الفقر
الجوع
الحب
اللهفة
المتعة
النشوة
الفراق
اللقاء
العذاب
الإنكسار
الإنتظار
الوحدة
الغدر
الخيانة
الإمتلاك
النصر
الهزيمة
الضياع
الفرح
الحزن
الذل
الرجاء
القسوة
الحنان
الرحمة
الشفقة
المواساة
الندم
الكره
الإنتقام
الخوف
الرعب
الأمان
النسيان
الذكريات
الحقد
البغض
الكرامة
السماح
الصفاء
لكل دمعة قصة كانت تقصها علي ، ومرت الدقائق ، والساعات ، الأيام ، والأسابيع ، الشهور ، والفصول ، وسنوات ، كلمح البصر ، تنتظرني ، وأنتظرها ، وفي كل صفحة دمعة ، ولكل دمعة حكاية ، ودائماً مؤلمة !! ولم يعد في الكتاب غير صفحيتين ، بدمعتين ، هذه الدمعة كانت غريبة ، فنظرت إليها متسائلاً ، فردت بضحكتها الصاخبة التي تعودت عليها قائلة في خجل :
- هذه دموع البصل !!
فضحكت أنا الآخر ، وأنا لا أريد أن أقلب الصفحة الأخيرة حتى لا أحرم من رؤيتها بعد اليوم ، ولكنها أشارت لي برموش عينيها أن أقلب الصفحة ، فلما قلبتها ، وجدتها بيضاء ، بدون دموع ، وعندها أمسكت بيدي لأول مرة ، وشدت عليهما قائلة بصوت متهدج :
- هذا أصعب بكاء ، البكاء من دون دموع ، كالألم بدون صراخ !!
وإذا بي لا أتمالك نفسي ، وتتسلل من مؤقتيا ، عبرات ساخنة ، تنسال على خدي ، وتسقط على غلاف الكتاب ، فتريح ظهرها على الكرسي ، وتنظر إلي قائلة :
- شكراً ، شكراً على التوقيع !!
وراحت!!
ورحت أجهش في بكاء شديد ، أو أؤكد التوقيع !!
إنتهى

نفذ الرصيد - قصة قصيرة

نفذ الرصيد
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
دقت الساعة السادسة صباحاً ، فراح يتقلب على فراشه الوثير ، وهو يتمتم :
- نفذ الرصيد ، نفذ الرصيد ، نفذ الرصيد .
ولما فتح عينيه نظر إلى لوحته الطبيعية الخلابة ، التي تعود على رؤيتها من قصره القابع في الطابق الخمسين ، فوق أحد ناطحات السحاب التي يملكها ، ومن خلف النافذة الزجاجية ، تأمل الشمس البرتقالية تولد من رحم البحر الأزرق العميق ، وتحبو بحنو لترتمي في أحضان السماء الصافية ، معلنة ميلاد يوم جديد .
لكن هذا اليوم لم يكن عادياً ، فقد كان الإنسان الثري قلقاً ، من هاتف يلح عليه
- نفذ الرصيد ، نفذ الرصيد ، نفذ الرصيد .
نهض من فراشه الوثير ، وأخذ يجوب الغرفة الواسعة، بجدرانها الزرقاء ، وستائرها البيضاء ، وألوانها الخضراء بدرجاته ، جيئة و ذهاباً وهو يفكر في الرصيد الذي نفذ ، وقرر أن يستجيب لهواجسه ، ويتحرى الأمر .
جاءت الخادمة بالإفطار ، بينما هو منشغل بحاسوبه المحمول ، يتصفح أرصدته في البنوك ، ويراجع حساباتها ، وقال للخادمة قبل أن تنصرف :
- إستدعي لي كل المحاسبين ، أريدهم الآن !!
إستغربت الخادمة طلبه هذا ، ولكنها أومأت برأسها أن نعم وإنصرفت ، وراح هو يواصل البحث ، والتنقيب ، والمراجعة ، حتى إنه هاتف رؤساء البنوك بنفسه ليتأكد ولما تيقن من سلامة أرصدته إستراح قليلاً ، وتناول إفطاره ، ولا يزال الهمس في نفسه ملحاً :
- نفذ الرصيد ، نفذ الرصيد ، نفذ الرصيد .
وحضر المحاسبون ، بدفاترهم وهم يرتجفون ، حتى سألهم
- هل يوجد حساب من حساباتي نفذ منه الرصيد ؟
فهز الجميع رؤسهم أن لا ، فشكرهم وأمرهم بالإنصراف ، وهاتف شركة الإتصالات ليستعلم عن رصيده ربما يكون قد نفذ ، ولكنهم أكدوا له أن رصيده لم ينفذ ، فإنتابه يأس شديد ، ووضع رأسه بين كفيه ، وراح يفركها ، عسى أن تأتيه بجديد ، وبعد عدة دقائق إستسلم وأقنع نفسه بإنه هاجس كاذب ، وغير أكيد .
فأمسك بدفتر المواعيد وراح يقلبه ، ويراجع المواعيد
موعد بعد دقائق
إجتماع بعد ساعة
سهرة هذه الأمسية
غداً في أوربا
بعد أسبوع في أمريكا
بعد شهر في الصين
والإجازة هذا الصيف مع الأولاد في الجزيرة
والعام القادم إفتتاح فرع جديد
وإذا بأطراف أنامل قدميه تداهمها آلام مبهمة ، فلم يهتم وراح يواصل ، إزداد الألم وتسللت قشعريرة في قدميه ، وشعر ببرودة شديدة كأنه يتجمد ، فراح يرشف من فنجان القهوة عدة رشفات عساها تدفئه ، ولما لم يعد يشعر بساقيه ، تمرد ، وأبى أن يبقى جالساً ، وحاول أن يقف ، ولما أبت قدميه أن يحملنه ، سقط على الأرض ، وأخذ يصيح
- أحضروا الطبيب ، أنا مريض ، أحضروا الطبيب
وأسرع الخدم يحملنه إلى الفراش الوثير ، والخادمة تستدعي الطبيب ، وإنقلبت الغرفة الهادئة إلى مستشفى صغير ، ويأتي الطبيب ، تلو الطبيب ، والإنسان الثري راقداً ، مسجياً على ظهره ، مستسلمأً لكل من يعبث فيه ، وإنزوى الأطباء بركن الغرفة وراحوا يتهامسون ، ولكن فضحتهم وجوههم ، اليأس يملأها .
وراحت القشعريرة تتسلل إلى جسد الإنسان الثري ، وتزحف ببطيء نحو رأسه وهي تقتلع من جسده شيء عميق ، عميق ، عميق ، فراح يصيح مستغيث:
- إفعلوا شيئاً ، إني أتألم ، إني أشعر بإقتلاع رهيب !!
وأصابه الإغماء ، ثم يفيق ، ويعاوده الألم فيصيبه الإغماء ، ثم يفيق ، حتى جائته صحوة ، فإعتدل على الفراش الوثير ، وإرتسمت على شفتيه إبتسامة الرضا ، وراح يضحك ضحكاً رنانا ، ً مجلجاً ، وتتسلل من مؤقتيه عبرات ساخنة ، وهو يتمتم :
- نفذ الرصيد ، نفذ الرصيد ، نفذ الرصيد !!
- ثم راح في نوم عميق
- إنتهى

الثلاثاء، 16 يونيو 2009

حكمت ، فظلمت ، فقلقت ، فلا نمت !!

حكمت ، فظلمت ، فقلقت ، ولا نمت !!
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
في قاعة المحكمة ، تملكني اليأس ، فدفنت رأسي بين معصمي ، وحاولت أن أستدعي نوماً عميقاً ، وإذا بأصوات صراخ تتعالى ، وهرج ، ومرج ، يتزايد ، وطقطقات إصطدام الكراسي تشبه هدير المدافع ، فرفعت رأسي المدفون بحذر خشية الإصابة ، وإذا بالقاعة قد إزدحمت جداً بالجمهور ، صماً ، وبكماً ، يحولون أن يتكلمون ، فلا يستطيعون ، فيصرخون ، بعواء غير مفهوم ، ولكن ملامح وجوههم كانت تقول ، غضب ، تمرد ، ثورة ، وسرعان ما ينكسرون ، فتسللت من وسط الزحام ، لأنزوي في ركن هاديء بجوار قفص الإحتجاز ، وإذا بي أرى القفص صار ذهبياً ، والمتهمون أطفالاً ، يلعبون ويأكلون الحلوى ، وبمن حولهم لا يكترثون ، تعجبت كثيراً ، وناديت عليهم متسائلاً :
- ماذا هنا تفعلون ؟
فنظروا إلي بدهشة وقالت طفلة بوجهها الملائكي :
- أنت المدافع عنا وتسألنا ؟ الآن !!
فشعرت بخزي يتملكني ، وخجل يحيط بي وقلت :
- ربما أكون قد نسيت فذكروني ؟
فضحك طفل تتقافز الشقاوة من عينيه قائلاً :
- وكيف تتذكر وليس لديك عقل في رأسك ؟
فتحسست رأسي بكفي وإذا برأسي فارغاً ليس به مخ !! أردت أن أصيح فإذا بالطفلة ملائكية الوجه ، تكتم فمي بيدها البيضاء الرقيقة جداً وتقول بصوت آسر مطمئن :
- لا تخاف لقد بقي عندك ضمير ولهذا إخترناك لتدافع عنا !!
نظرت إليها والفزع يملأني ، والدهشة أدركتني ، لكن شيئاً ما في عينيها الزرقاوتين ، طمأنني ، وأبحرت في صفاء عينيها ، حتى نادى الحاجب على القضية ، فشدت على يدي قائلة والأمل يملأها ، وإبتسامة عريضة على شفتيها :
- هيا ، ولا تضيعنا !!
فأسرعت ألملم أشلائي ، وأقتحم الزحام الشديد ، لأصل بعد إعياء إلى منصة القاضي ، كانت أعلى مما تعودت ، فرفعت رأسي عالياً ، لأنظر إليه ، فإذا بالقاضي له وجه غليظ ، غليظ ، ورأسه أجوف ، وليس به مخ ، ولا تكاد تراها عين واحدة والأخرى مفقوعة ، وأذن واحدة والأخري مقطوعة ، وكتف مائل تارة ناحية اليمين وتارة ناحية اليسار ولكنه لا يستقيم !! فنظر إلي القاضي مستغرباً قائلاً :
- ألن تترافع عن المتهمين أيها المحامي ، أم ستبقى تتأمل في ؟
وشعرت لأول مرة ببركان يتدفق من أعماق ، أعماقي ، يقذف بكلمات صادقة على لساني وأدركت عن يقين معنى الضمير وقلت :
- سيدي ، سعادتك ، سيادتك ، فضيلتك ، إن المحتجزون في القفص أطفال ، لا يزال الأمل فيهم ، والمستقبل أمامهم فلماذا نسجنهم وندفن طموحهم المشروع ، والبراءة لا تزال فيهم لم يلوثوا مثلنا !!
فهاجت القاعة ، وعاد الصياح ، والعواء المكتوم ، والقاضي يدق بشاكوشه الحديدي ، على طاولته الحديدية ، ليصدر رنيناً مزعجاً ، وإذا بكلاب سوداء تزين رقبتها أطواق جلدية ، مرصعة بنجوم ذهبية ، يتدافعون إلي القاعة ، يهاجمون بضراوة ، والجمهور يصيح ، ويصرخ مستغيث ، حتى أخليت القاعة ولم يبق غيري والكلاب من خلفي ، والأطفال في القفص يرتعشون من الرعب ، فهمس القاضي قائلاً :
- أتدافع عن المتهمين بنفس الإتهامات الموجهة إليهم ؟!
إستغربت كثيراً ، الأمل ، والطموح ، والبراءة ، أصبحت تهمة فتداركت قائلاً :
- أنا لا أخاطب القاضي الذي أمامي ، أنا أخاطب ضميرك الخامد وأترجاه أن يثور لهذه الأطفال البريئة !!
سارت قشعريرة ممتعة في جسدي ، ورأيت القاضي يهتز ويوميء برأسه ، وقد تهللت أساريره وقال وهو ينصرف :
- الحكم بعد المداولة !!
وإلتفت نحو القفص والكلاب السمينة من حولي ، وأنا أنظر للأطفال متسائلاً ، فردوا بإبتسامة متفائلة ، وإذا بالحاجب يصيح بصوت أجش معلناً دخول القاضي ، ويد غليظة توقظني من غفوتي العميقة ، فوقفت سريعاً ، ولا يزال النعاس يداهمني ، تحسست رأسي فوجدت عقلي عاد إليها ، والبركان بداخلي لا يزال يتدفق ، والقاضي ينطق ببراءة المتهمين ، والقاعة تهيج فرحاً ، وتنطلق الزغاريد ، فأسرعت أقتحم الزحام ، حتى دنوت من قفص الإحتجاز ، وإذا به نفس القفص القديم ، وليس به أطفال ، به إنســــــــــــــــان
إنتهى
http://www.facebook.com/profile.php?id=547339073&ref=profile للتعارف إضغط هنا
http://ahmedkms.blogspot.com/ للمزيد إضغط هنا
Ahmedkms@hotmail.com للمراسلة

السبت، 13 يونيو 2009

صاحبة الشجرة - قصة قصيرة

( صاحبة والشــــجرة )
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
وقفت خلف النافذة تنظر من داخل حجرتها في البيت الكبير على قمة الجبل ، عاصفة شديدة ، ثلوج كثيفة ، رعد وبرق ترتعد منه الفرائص ، وإذا بالكهرباء تنقطع ، والظلام الدامس يدرك كل من في البيت ، بياض الثلج هو الشيء الوحيد الذي يرى في هذا الليل الصعب !!
وإذا بصوت طفلة صغيرة يلين قسوة الليل الصعب تنادي مرتجفة خائفة :
- ألن نهبط إلى أبي يا عمة ؟
فإلتفتت العمة نحو الصوت وهي لا ترى شيئاً قائلة
- بلى يا حبيبتي ، هيا ، هيا تقدمي نحوي بحرص
ويطلقان يديهما في الهواء بحثاً عن بعضهما البعض ، وإذا بأطراف أصابع يد الطفلة الصغيرة تلامس أطراف أصابع يد العمة الشابة ، وبسرعة تلامس بكفيها وجهها ، تصيح الطفلة خوفاً ، فتجثوا العمة على ركبتيها وتضم إلطفلة إلى صدرها بحنو بالغ ، ثم تهب واقفة وهي تطمئنها وتحملها على ذراعيها ، وتسير في ظلام دامس ، بخطاً حريصة ، تتلمس بكامل أحاسيسها الطريق !! وتتحسس براحة قدميها الإتجاه الذي به تسير ، حتى ظهر من بعيد ، ضوء شاحب مريض ، أسرعت نحو الضوء ، وهبطت الدرج بسرعة ، حتى إلتئمت مع أسرتها حول المصباح الصغير ، وإرتمت الطفلة في أحضان أمها ونست عمتها !!
كانوا من البرد يرتعدون ، وهي تلقي السلام بشفاة مرتجفة ، وتجلس على الأريكة ، وعينيها تبحث عن شيء يدفئها من برد شديد ، ردوا عليها التحية ، وهم يرتعدون من البرد ، وكل يفكر كيف نتدفأ في هذا الليل الطويل ، والطريق المقطوع ، حتى ينبلج الصباح بنور الشمس الدافئة ، وإذا بشقيقها يصيح :
- لماذا لا نحتطب من الحديقة ؟
فيرد الآخر :
- الحديقة كلها أشجار مثمرة !
ويتدخل الشقيق الأصغر قائلاً
- ويبدوا إنك نسيت أن هذا الشجر قد زرعه والدك بأسمائنا
فتداعبه شقيقته الوحيدة قائلة :
- ربما نويت أن تتخلى عن بخلك وتقطع شجرتك لتدفئنا بخشبها !!
فيضحك الجميع وإذا بالشقيق الأكبر يقول بجدية :
- ولماذا لا نقطع شجرتك أنت !!
فيسود صمت مطبق ، حتى تتحمس له زوجته قائلة :
- ولما لا ، إنها شجرة يابسة !!
وكأن الفكرة قد غزت رؤوس الجميع عدا الشقيقة صاحبة الشجرة ، فوقفت ومن خلفها ظل عظيم وهي تصيح معترضة :
- هذه شجرتي ولن يقطعها أحد !!
فترد زوجة الشقيق الأوسط مدافعة :
- ولكن الأطفال سيتجمدون من البرد ، ألا تنظرين ؟ !
فتنهرها صاحبة الشجرة بظلها العظيم :
- إن لآباهم أشجاراً يمكن أن يقطعوها ، ولكن ليس شجرتي !!
فتعنفها زوجة الشقيق الأصغر قائلة :
- لو كان لك أطفالاً لأدركتي ما نقول !!
وهنا هوت صاحبة الشجرة على الأريكة ومن خلفها ظلها العظيم ، ويسرع الأشقاء الثلاثة مع المصباح الصغير ، يحملون الفؤوس ليقطعون شجرة شقيقتهم اليابسة ، وهي تستدعي صوتها من أعماق جرح كبير ، وتغزو الدموع مقلتيها ، ليزيد عليها مشقة الكلام ، ولكنها بصوت مبحوح تصيح :
- لقد يبست الشجرة لأن أحداً لا يسقيها ، ربما في هذا الربيع تجيد !!
فينظرن لها زوجات أشقائها الثلاثة ، والسخرية بادية على وجوههن وتقول إحداهن :
- لقد يبست الشجرة ، ألا تدركين ؟!
وتستجمع صاحبة الشجرة قواها ، وتقف على قدميها ، وتطلق ساقيها للريح وهي تصيح :
- لا تقطعوا شجرتي ، إنها يابسة ولكن الحياة لا تزال فيها ، إنها تخضر في الربيع ، وتفوح منها رائحة أحبها ، وتتقافز العصافير عليها مع مطلع كل يوم جديد .
حتى وقفت أمام شجرتها ، ورأتهم يضربون ساقها العتيد ، والثلج يغطي كل شيء حتى كسى وجهها ، وهي بيديها تسقطه ، وتقول مستعطفة :
- لا تقطعوا شجرتي ، إني أستظل بها من حرارة الصيف ، وأكتب تحتها قصائدي وقصصي ، وأحكي لها كل أسراري ، وهي تحكي لي !!
وما أن بدأت الشجرة تتهاوى ، حتى أبت ساقيها أن يحملنها ، ودارت الدنيا من حولها ، وهوت بجسدها على كومة من الثلج الكثيف مغشياً عليها ، فأسرع أشقائها لنجدتها ، وحملوها إلى البيت حتى تستريح .
وبينما الأسرة حول النار تصطليها ، وأصبح البيت دافئاً ، أفاقت صاحبة الشجرة ، ونظرت بحسرة إلى حطب شجرتها ، فإرتسمت على شفتيها إبتسامة شاحبة ، وهي تستدعي أنفاسها الذاهبة قائلة :
- وداعاً يا شجرتي ، وداعاً كما ودعتني !!
ثم أطبقت جفنيها .......... وذهبت !!!
إنتهى

http://www.facebook.com/profile.php?id=547339073&ref=profile للتعارف إضغط هنا
http://ahmedkms.blogspot.com/ للمزيد إضغط هنا
Ahmedkms@hotmail.com للمراسلة

الثلاثاء، 9 يونيو 2009

مشروع الحركة الوطنية من أجل الدستور

الحركة الوطنية من أجل الدستور
( الجمهورية الثانية )
لقد شاهدت كما شاهد ملايين المسلمين خطاب أوباما إلينا ، وكنت أتحرى شوقاً لأستمع إلى ما يثلج صدري ، ويدعوا الأنظمة الحاكمة في بلادنا وخصوصاً مصر إلى تطبيق الديمقراطية الصحيحة ، ولكن للأسف سمعت ما صعقني ، وخيب ظني ، وحطم آمالي ، ورأيت أوباما على حقيقته رئيساً أمريكياً ، ويحق له العمل لصالح شعبها ، والعمل على حفظ أمنها وسلمها ، لقد دغدغ مشاعرنا ، ولكن إستفقنا عندما صرح بأن الديمقراطية لا تفرض من الخارج ، لتبقى الشعوب ذليلة ، وتبقى مصالحه مع تلك الأنظمة مستمرة ، على الرغم من أن سبب بقائها الوحيد هو دعم الإدارة الأمريكية لهذه الأنظمة ، ولتبقى بالتالي هذه الأنظمة أسيرة للبيت الأبيض ولقد كان لأوباما ما كان ، وبقيى لنا الشعور بالحسرة وخيبة الأمل ؟!
ولقد شعرت بالخجل ؟! نعم ، كيف أسمح لنفسي وأنا المثقف المتنور أن أتعشم في رئيس دولة عظمى منهارة أن يمنحني حريتي !! ولم تكن الحرية أبداً هبة يمنحها النظام لشعبه ، وإنما على ذلك الشعب أن ينتزعها إنتزاعاً . وبدأت أفكر في طريقة سلمية تمكننا من التحرك من أجل التغيير ، ومقاومة التوريث ، وليس التغيير في معناه الأوسع ، بل التغيير المحدود والمركز على المطالبة بدستور جديد للبلاد يؤسس لقيام الجمهورية الثانية ، ويضمن الحرية ، والعدل ، والمساواة ، ويكفل التعددية ، ويحقق تداول السلطة ، يصون للمواطن حقوقه ، ويحفظ حرماته ويحدد واجباته . هذا هو الهدف الوحيد الآن ، ميثاق إجتماعي جديد ، يخرج تلك الدولة من كبوتها ، ويجعل الشعب الذي أصبح فريسة للإنهزامية ، واللامبالاة ، والخوف ، والفساد ، شعباً متحركاً ، يعبر عن نفسه ، ويمتلك زمام المبادرة .
إنني ببساطة ووضوح أقترح تأسيس حركة وطنية من أجل صياغة دستور جديد للبلاد ، يضمن تحقيق كل المباديء السابقة ( حرية – عدل – مساواة – تعددية – تداول سلطة ) ولا أسعى إطلاقاً لأي صدام مع النظام وأجهزته الأمنية ، بل ستكون حركة سلمية تعمل إستناداً للدستور الذي يحكمنا به أسيادنا !! فالمادة (1) من الدستور تنص على أن (( جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي )) أليست الديمقراطية هي حكم الشعب بالشعب ولصالح الشعب !! وبالتالي يحق لهذا الشعب أن يعبر عن نفسه بالطرق الديمقراطية ! كما تنص المادة (3) على (( السيادة للشعب وحده ، وهو مصدر السلطات ، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدستور )) أفلا يحق لهذا الشعب أن يمارس سيادته في العمل على تغيير دستور شاخ ، وهرم ، وفقد صلاحيته .
والأهم ، الأهم ، تنص المادة (62) على (( للمواطن حق الإنتخاب وإبداء الرأي في الإستفتاء وفقاً لأحكام القانون ، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني .)) أي أن ما سنقوم به هو بنص الدستور واجب وطني فنحن سنشارك في الحياة العامة التي هي حياتنا !! وإبداء الراي ليس مقصوراً على إستفتاء أو إنتخاب بل إنه يشمل جميع أوجه الحياة ، وإلا لما كان شملها المشرع بصفة الواجب الوطني ، وأخيراً ما يحدد لنا وجهتنا الصريحة وفقاً لنص المادة ( 63 ) من الدستور التي تنص على (( لكل فرد حق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبتوقيعه ولا تكون مخاطبة السلطات العامة بإسم الجماعات ولا للهيئات النظامية والأشخاص الإعتبارية . )) أي إنه يحق لهذا المواطن المسحوق ، والشعب المطحون ، مراسلة أسياده من السلطات العامة ، والشكوى إليهم والتقدم بمطالبه لهم ، حتى وإن كانت مشكلته سببها هم ، والشكوى ضدهم !!
والفكرة ببساطة هي تأسيس الحركة الوطنية من أجل الدستور ، من أمين عام ، وسكرتير ، وأمين صندوق ، وتنبثق منها عدة لجان أساسية وفرعية ، لتحقيق الهدف ويكون هناك لجنة أساسية لصياغة دستور جديد للبلاد بمشاركة منابر من جميع الأحزاب ، والتيارات السياسية ، والنقابات ، والإتحادات ، وبالطبع هذه اللجنة تتكون من متخصصين في الدستور وهم كثر ، والآلية التي تنتهجا الحركة هي حشد أكبر عدد ممكن من خطابات وتوقيعات المطالبة بتغيير الدستور من المواطنين مباشرة ، وليس عن طريق النت !! أو غيره ، إحياءاً لما قام به الزعيم العملاق سعد زغلول مع بعض التطوير ، على أن ترسل تلك الخطابات إلى الرئيس مبارك شخصياً للضغط عليه وعلى نظامه قبل إنتخابات الرئاسة القادمة ، والتي أظن إنها ستكون الواقعة ، فلن نجد بعدها دولة لكي نصيغ لها دستور ، ولا حتى شعباً نجمع توقيعاته !! وكلما كان العدد مليونياً كلما إهتز هذا النظام ، وراجع نفسه ، وجعلناه يتردد في خطواته نحو التوريث ، والفائدة الأعظم والأهم هي أن نثبت لأنفسنا إننا لسنا خامدون ، ولا خاضعون ، ولا مستسلمون ، وقد تحملنا مسؤليتنا بشرف كنخبة مثقفة في هذه الأمة نحو العامة والبسطاء وأبرئنا ذمتنا أمام الله ، وأنا واثق أن هناك آلاف ، وربما ملايين سوف ينضمون إلينا ، ولا تتجاوز أحلامهم غير جدار يأويهم ، وكسوة تكسيهم ، ولقمة تشبعهم ، والستر بعد ذلك يحميهم ، هذا هو ملخص الفكرة ، وهدف المشروع من أجل دستور جديد .
بالطبع المسألة ليست بسهلة ، ولكنها ليست بصعبة ، بل على العكس تماماً ، كل المطلوب فقط دقة في التنظيم ، لنحصل على أفضل النتائج ، ونؤثر في كل من حولنا بمصداقيتنا ، ونزاهتنا عن أي مطمع ، ونحصل على أكبر عدد ممكن من خطابات المطالبة بتغيير الدستور ، من عامة الشعب وبسطائه ، فلاحون ، وعمال ، طلاب ، وأخيراً نخبته المثقفة !! وبالطبع للحديث بقية مع من يرغب في مشاركتي في هذا المشروع ، وأخيراً أشهد الله إنني لا أرمي إلى أي هدف الآن أو لاحقاً من وراء هذه الفكرة ، وإنني لا أنتمي لأي حزب أو تيار سياسي ، وكل ما أطمح إليه أن أرى مصر دولة بمعنى الكلمة ، وليست قبيلة ن يحكمها شيخ ، ويسكنها 00000000؟!
أنتظر ردكم
http://www.facebook.com/profile.php?id=547339073&ref=profileللتعارف إضغط هنا
http://ahmedkms.blogspot.com/ للمزيد إضغط هنا
Ahmedkms@hoitmail.comللمراسلة

الأحد، 7 يونيو 2009

مصريوا الهوية في الدولة الصهيونية !!

مصريوا الهوية في الدولة الصهيونية
صدر في الأيام الأخيرة حكم قضائي بطلب إسقاط الجنسية عن ثلاثين ألف مصري تقريباً!! متزوجين من إسرائيليات ، ومقيمين في إسرائيل .
والحقيقة أن هذا يعد فكاهة مبكية ، فلم يحدث أن أسقطت أي دولة في العالم وفي ظل أسوأ الأنظمة الجنسية عن هذا العدد من مواطنيها ، ودفعة واحدة ، أو حتى صدر حكم قضائي سابق بذلك !! ولسبب غير وجيه على الإطلاق ، ويتعارض وحقوق الإنسان الرئيسية وعلى رأسها حقه الطبيعي في السفر والتنقل ، والذي كفله له الدستور المهلهل الذي نحتمي به !! وبالرغم من أن حيثيات الحكم يظل فيها منطق يمكن فهمه ، ولكن في دولة لم توقع معاهدة سلام مع إسرائيل ، وليس بها سفارة يرفرف عليها العلم الإسرائيلي في قلب القلب من عاصمتها المقهورة ؟!! فأصبح وكأن القضاء دولة في حد ذاته داخل هذه الدولة !! أو ربما لا يدري بما يدور حوله .
إن القانون المصري رقم 26 لسنة 75 بشأن الجنسية المصرية هو قانون عنصري ، تجاوزه الزمن وداست عليه الحكومة بأغلظ أحذيتها ، ونسيت الحكومة في غمرة هرولتها نحو الإستسلام لإسرائيل ، تقنين تشريعاتها ، وغربلة قوانينها ، لتنسجم مع الوضع المخزي الجديد ، فأصبح هناك وضع شاذ ، ومتناقض داخل الدولة الواحدة ، حكومة متزوجة زواجاً كاثوليكياً من إسرائيل وبالطبع لا طلاق فيه !! ولا أحد يحاسبها ، ومواطن يائس ، بائس ، حائس ، متزوج زواجاً تقليدياً من إسرائيليات هن في أغلبيتهن من عرب 48 مسلمات أو مسيحيات ، وحتى لو يهوديات ، لا مشكلة ، فهو مدان ومهدد من القضاء بحكم لإسقاط الجنسية عنه وإتهامه بالخيانه ، والتعامل مع العدو ، والأنكت أن الحكومة هي التي ستنفذ الحكم !! ولا أدري في الحقيقة أي دولة هذه التي تحوي هذا التناقض ولا تنفجر ، وأي شعب هذا الذي يبلغ تعداد سكانه السبعين مليون ويخشى على نفسه من دولة تعدادها عشرة ملايين ، وثلاثين ألف من مواطنيها المقيمين في إسرائيل !!
لقد أعطى القانون الحق لرئيس الجمهورية في منح الجنسية لأي أجنبي قدم خدمات جليلة للوطن ، دون إستثناء الجنسية الإسرائيلية بمعنى إنه يمكن لرئيس الجمهورية أن يمنح الجنسية لأي مواطن إسرائيلي عمل جاسوساً لصالح مصر في داخل إسرائيل ولن يعلم أحد عن ذلك لدواعي أمنية ، وقد يكون قد حدث ذلك بالفعل !! كما أن القانون قد منح صلاحيات الجنسية لوزير الداخلية ، يمنح ، ويحجب ، ويصطفي ، ويختار ، علماً بأن عمل وزير الداخلية في الأصل حفظ الأمن ، ووزارته نفسها سيئة السمعة في مجال حقوق الإنسان فكيف نمكنه من أمر خطير مثل هذا وبدون رقيب ، فالوزير الطبيعي والمختص هو وزير الخارجية ، أو الهجرة ، أو حتى رئيس الوزراء ، وكان من الواجب أن ينص القانون على ضرورة الإعلان عن أي شخص يحصل على الجنسية المصرية حتى يعلم المجتمع عن أي عضو جديد إنضم إليه !!
هذا وقد حدد القانون بالرغم من مساوئه حصرياً في المادة 16 أسباب إسقاط الجنسية المصرية عن كل من يتمتع بها ، والنص الوحيد الصريح والذي ينطبق على إخواننا في إسرائيل هو أن يقيم في دولة تتصف في أي وقت من الأوقات بالصهيونية ، وإسرائيل دولة صهيونية ، ولكـــــــــــــــــــــــــــــــــــــن من منح هؤلاء الشباب تصاريح بالسفر والعمل في إسرائيل ، ومن أي مطار غادروا ، وأي طائرة إستقلوا ، وما هو الجهاز الأمني الذي منحهم تصاريح الزواج ، إنهـــــــــــــــــــا كلــــــــــــــــــــــــــها مصـــــــــــــــــــــــريــــــــــــــــــــــة !! كان بالإمكان منعهم !! ولكن خشت الحكومة من إغضاب أسيادها في تل أبيب ، وقبلت توريط مواطنيها مع المجتمع الذي يرفض التطبيع !! وأصبح المصري أياً كان رأيي فيه ضحية لحكومته ، وفريسة لقضائه ’ وبدلاً من تعاطف المجتمع مع ضحاياه يسعى الآن لبترهم !! والتبرأ منهم .
إن الوطن أم والمواطن ابن ، فلا يجوز أن يكون هناك توجس للإبن من أمه ، فيمكنها أن تتبرأ منه إن طلح ، وترفعه إلى السماء إن صلح ، إن الإبن يبقى إبناً والأم تبقى أماً في جميع الحالات ، علاقة أبدية لا تنفصل ، والإبن في النهاية حصاد أمه وتربيتها فإن أحسنت فنعم الحصاد ! وإن قصرت فبئس الحصاد ، ويكون المخرج أن تتبرأ منه ، دون أدنى إحساس أو شعور بأي مسئولية ، كمن تلقي بولدها أمام مسجد !! فاليقين الصادق والفطرة السليمة ، يلزمان الأم وأبنائها على الإبقاء على علاقتهما مهما حدث ، ونفس الشيء ينطبق على الوطن أو الدولة فالجنسية حق حتمي لا يمكن لأحد أن يسقطه عن المواطن وهذا ما يجب أن يشمله أي قانون جنسية جديد ، وأي مواطن يخطيء يمكن أن نعاقبه دون إضاعة هويته !! والمساس بجنسيته .
وأخيراً سامحوني على صراحتي ، فيعلم الله وأنا أكتب هذه الكلمات أبكي مثل الأطفال اليتامى ، فالجنسية المصرية ليست مطمع لأحد ، والمصري في أي دولة في العالم خصوصاً العربية منها ، يساوي الذل ، والعار ، والمهانة ، وإنتهاك الحقوق ، والسحق بالأحذية ، وكلنا !! أو معظمنا يسعى للحصول على جنسية أي دولة أخري ، لأنها ستكون أكثر إحترماً من الجنسية المصرية !! كما أن أي دولة ينتحر أبنائها صباحاً ، مساءاً في عرض البحر ، أو يتعلق مراهقيها في إطارات الطائرات للحصول على لقمة العيش ، هذه الدولة هي التي يجب أن تحاكم ونتبرأ منها ، حكومتهــــــــــــا ، وحتى أرضهــــــــــــــــــــــــــــــا !! وأخيراً ، أخيراً ، أخيراً ، إن الشعب العريق ذو السبع آلاف سنة حضارة لا يجب أن يخشى أبداً على نفسه من حفنة من اللصوص وإن قووا ، وبدلاً من بتر أبنائنا اليائسين ، والتعامل معهم على أنهم عملاء وخائنين ، علينا أن نجعلهم وأبنائهم بل وزوجاتهم رأس حربة لنا في عمق ، عمق فلسطين ، ليكونوا مصريين الهوية ، في الدولة الصهيونية !!

http://www.facebook.com/profile.php?id=547339073&ref=profile للتعارف إضغط هنا
http://ahmedkms.blogspot.com/ للمزيد إضغط هنا
Ahmedkms@hotmail.com للمراسلة

الجمعة، 24 أبريل 2009

دعوة المليون مصري

دعوة
مليون مصري بيحبوا مصر
( الثورة الخضراء )
قد أكون حالماً أو ربما طموحاً أكثر من اللازم ، لكنني وبإختصار شديد ، شاب طحنته الدنيا طحناً ، حتى كسرت عظامه ، وأبت بلده بخيرها الوفير أن تمنحه بعضاً منه ، تراكمت علي الديون ، وأحاطت بي المشاكل ، ففقدت إنتمائي لهذه البلد التي كنت مستعداً للموت في سبيلها ، ورحت أبحث عن هويتي ، في رحلة بحث عن وطن ، زرت بلادُ كثيرة ، وإستقر بي المقام في بلاد الحرمين وأحمد الله على ذلك .
كنت أمقت مصر مقتاً شديداً ، ولا أتوقف عن سبها ولعنها كرهاً وبغضاً يملأ قلبي ومرارة تجري على لساني كلما ذكرتها !! ومبدأ عودتي إليها مرفوض بل يعد درباً من الهذيان .
ويوماً بعد يوم ، وسنة بعد سنة ، وفي لحظة صدق مع نفسي ، أدركت الحقيقة التي طالما سعيت لإخفائها عن نفسي وهي إنني عاشق لهذه البلد (مصر ) تسكن في وجدان وجدان قلبي ، وأن كل ما كان يتفوه به لساني هو غيرة الإبن البار على أمه التي يريدها أن تصبح أحسن أم في الدنيا ويراها غير ذلك ، وهي بالطبع غير ذلك ؟
ورحت أفكر فيمن هم مثلي قادمون على مثل تجربتي ماذا سيكون مصيرهم ؟ فقد أكرمني الله ونجاني وهداني ورزقني من بلاد الحرمين ، فماذا سيحدث للضعاف الذين لا يملكون علماً في عقولهم ، ولا ورعاً في قلوبهم ، ولا نقوداً في جيوبهم ، إنه مصير واحد محتوم ! نعوذ بالله أن يؤول أحد إليه .
فرحت أفكر كيف ننجي أنفسنا بأنفسنا ؟ كيف نملك قوتنا الآن لنملك قوتنا غداً !! كيف نؤلف بين جيوبنا لتتآلف قلوبنا بدافع المصلحة المشتركة بيننا كمصريين ضعفاء وننتمي لهذا الوطن كمستثمرين فيه !!
لا هدف لنا غير وطن يجمعنا ، ولقمة تشبعنا ، وبيت يأوينا ، وملبس يكسينا ، ودواء عند المرض يشفينا ، وكفن عندالموت يسترنا ، ومتر في متر تحت ثرى مصر يثوينا !! هذا كل طموحي وطموح كل من سينضم إلى دعوتي .
إن مصر بلد زراعي والقمح محصول إستراتيجي من يملكه يملك مفاتيح الكرامة ، فلماذا لا نؤسس كيان أياً كان شكله القانوني هدفه شراء وإستصلاح وزراعة القمح والتجارة فيه والتصنيع منه ، كما نهتم بأبحاثه العلمية ودعمها ، وتوعية كل من يزرعه من غيرنا !!
الأمنية الحقيقية أن يضم هذا الكيان مليون مصري بيحبوا مصر ليقوموا بهذه الثورة الخضراء .
كل مصري من المليون يساهم بمائة جنيه ليصبح رأس المال المستهدف مائة مليون جنيه .
نقوم بشراء ألف فدان لإستصلاحهم وزراعتهم بالقمح إلى جانب شركات مساندة للمعدات الثقيلة ، والنقل ، والبحث العلمي وأخيراً التجارة .
المساهمات تكون متساوية حتى لا يطغى أحد على أحد .
العمالة المطلوبة توظف من المليون مساهم .
المخطط أن ننموا سنة بعد سنة حتى يصبح الألف فدان مليون فدان ، وتصبح البلد التي تستورد ثلثي إنتاجها من القمح مصدرة له بإذن الله !
وبالقمح سوف ندعم كل فقير ، ونأوي كل مشرد ، ونصون كل حرمة قد تنتهك بسبب الحاجة للمال .
ويمكن لنا فيما بعد مناقشة اللائحة الداخلية لهذا الكيان المليوني ، وتشكيل لجنته التأسيسية من مهندس زراعي ، محامي ، محاسب ، يكلفون بإجراءات التأسيس .
المهم ثم المهم ثم المهم أن أعثر على مليون شاب وفتاة بيحبوا مصر ويقبلوا دعوتي هذه لنبدأ مشوار التكافل فيما بيننا آملين أن ينجينا الله وأبنائنا وأحفادنا من الجوع وكفره !! وأن نستعيد هويتنا التي فقدناها كبلد زراعي !! ويرزقنا رغيف خبز من زراعة أيدينا حتى لا نموت في طوابيره !!
أنا مسلم وعاشق المسيح وأمه مريم البتول ، ليس هناك أي حرج أن ينضم إلينا إخواني وأخواتي المسيحيين فمصر لنا سوياً .
وأخيراً اللهم ألف بين قلوبنا ، وجمع عقولنا وأفكارنا ، ودلنا على بعضنا ، حتى تكتمل مليونيتنا ، وترزقنا يارب من رزقك ، ثم تبارك لنا فيه .
أدعوكم مخلصاً فأتوني مخلصين .
مصري بيحب مصر

أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ولا تحاصره

أنصر أخاك
ظالماً أو مظلوماً
ولكن لا تحاصره !!!!
لأن حزب الله حاول مساعدة إخوانه في غزة أصبح حزباً يشكل خطراً على أمن مصر القومي ، وكل ما فعلته إسرائيل ، وما تفعله الآن من حصارها لغزة بمساعدة مصرية ! وما ستفعله من تصفية المقاومة الفلسطينية في غزة لا يمس أمن مصر القومي من قريب ولا من بعيد .
إن القيادة المصرية لا زالت تنظر لحركة حماس على إنها إمتداد لجماعة الإخوان المسلمين في مصر ونجاحها في إدارة القطاع وتحمل مسئوليتها بشرف يعني وجود نموذج إسلامي ناجح قد يشكل تهديداً على النظام في داخل الدولة المصرية نفسها ، والواقع أنا أظن أن هذا النجاح قد حدث بالفعل ولو بنسبة قليلة ، فحماس صمدت ، ولا زالت صامدة ولم تتنازل عن ثوابتها التي هي ثوابت فلسطينية مشروعة بالرغم من حصار العالم كله لها
والحقيقة أن الحكومة المصرية هي التي سمحت لحزب الله وسوف تسمح لغيره بأن يتدخلوا في الشأن المصري كما يسمونه !! وهو ليس كذلك ، فهو شأن عربي ذو أبعاد إسلامية ، ويمكن أن يكون شأناً كونياً لأبعاده الإنسانية وفقاً للقانون الدولي الذي يكفل للشعب المحتل مقاومة الإحتلال ، وكذلك يكفل إعادة الإعمار بعد الحروب ، ناهيك عن إدانة القانون الدولي للعقاب الجماعي وأعمال الفصل العنصري .
وتتقاطع دائماً مصالح النظام المصري مع مصالح إسرائيل !! فهما سوياً يرغبان في تصفية حماس لأسباب مختلفة ، ولكن ألا تخبرنا الحكومة المصرية وماذا بعد تصفية حماس !! إنبطاح كــــــــــــــــــــامل !!!
إن الدافع الذي حرك حزب الله ليفعل ما فعل بمصر هو دافع مفهوم من الناحية الإنسانية ولإسلامية والعربية أما من النظرة القطرية الضيقة التي ينظر منها النظام المصري لمصالحه فحزب الله مدان بالطبع !!
ولكن ألا تخبرنا القيادة المصرية عن تدخلاتها المستمرة في الشأن اللبناني وخصوصاً عندما أدان الرئيس المصري حزب الله وأتهم قياداته بأنهم مغامرون ، وتارة يتهمونه بموالاة إيران ، أليس هذا تدخلاً .
ويبقى السؤال الملح ، هل حصار غزة سيبقى للأبد !!
لقد أصبح لزاماً علينا أن نتحرك في النور ، وندعوا كل من يستطيع أن يعمل شيئاً لإخوانه في غزة فاليعمل وأنا هنا أدعواكل من يهمه الأمر لأن نتفاعل سوياً من أجل :-
1- تعرية النظام المصري وكشف إنفصام شخصيته أمام العالم وذلك بعد أن يتكفل المحامون برفع دعوى قضائية تختصم الحكومة وتطالبها بفتح معبر رفح من جانب واحد إنطلاقاً من مخالفتها للدستور في مادته الأولى ( جمهورية مصر العربية دولة نظامها ديمقراطي يقوم على أساس المواطنة ، والشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة ) فكيف والشعب المصري جزء من أمته العربية يحاصر أشقائه في غزة ويدعم أعدائهم بالغاز !! هذا عـــــــــــــــــــار !!!!!
وحذاري ثم حذاري أن يجرنا هذا النظام لمعركة الفقراء والفقراء وتضارب المصالح ، وأن يعمد إلي إسماعنا إسطوانة مشروخة إما أن تكون مصرياً أو أن تكون عربياً .
إن عدونا إسرائيل كان ، ولا زال ، وسيبقى كذلك ، وعدونا كل من يرعى مصالح هذا العدو سواء بقصد أو دون قصد .
وإذا كان النظام المصري بحكم إنفصام شخصيته ، وفقدان هويته ، قد تقاطعت مصالحه مع إسرائيل فهو يجب أن يكون عدواً حتى يعود إلى رشده أو يقدرنا الله عليه
2- وأخيراً وليس آخراً فإنني أدعو كل المصريين إلى إرتداء السواد يوم 6 أكتوبر القادم حزناً على سيناء التي عادت ولم تستغل بعد ، أو ربما إنها لم تعود!! وإحياءاً لذكرى شهدائنا الأبرار ، ووفاءاً لمصابينا الأخيار ، وتضامناً مع أسرانا في السجون الإسرائيلية !!
وأخيراً ثم أخيراً ثم أخيراً تضامناً مع الشيوخ المقهورين ، والنساء المبقورين ، والأطفال المقبورين في غزة !!!!
أحمد كمال