إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الأربعاء، 17 يونيو 2009

أصعب دموع - قصة قصيرة

أصعب دموع
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
أعمل في هذا المتنزة منذ سنوات ، وهي تأتي على كرسيها المتحرك من قبل أن أعمل ، يدفعها سائق متأنق ، يأتي بها في الصباح ، ويعود بها في المساء ، بقيت لسنوات وأنا أراقبها ، تجلس أمام البحر وتنظر إليه ، كأنها تحدثه ويحدثها ، وفي يدها كتاب لا يغادر كفيها الرقيقين ، داهمني الفضول ، ولما إحتلني قررت في هذا اليوم أن أقتحم خلوتها ، وأتعرف عليها ، وأكشف سر هذا الكتاب الذي بين كفيها ، إقتربت وأنا أرتعش ، فجمالها أخاذ ، وجاذبيتها ساحرة ، وكلما إقتربت تداعى إلى أنفي رائحة عطر لم أشتمه من قبل ، وقفت خلفها في خشوع ، وشعرها المنسدل على كتفيها ، ثم على الكرسي ، تنبعث منه حرارة ، تكفي لتدفأتي من برد السنين ، أوشكت أن ألمسه بأطراف أصابعي لكني تراجعت ، تقطعت أنفاسي ، وإنتابني شعور مفاجيء بالدوار ، ورحت أترنح ، حتى إلتفتت إلي بعينيها الخضراوتين ، ونظرت إلي نظرة ثاقبة ، فتجمد الدم في عروقي ، وإحمرت وجنتي في آن واحد ، حتى إرتسمت إبتسامة رقيقة على شفتيها العنقودية ، فرددت بمثلها ، ثم أشارت لي بالجلوس ، جلست أمامها وأنا في حلم جميل ، وقالت بصوت ساحر أخاذ ، ووجه آسر خلاب :
- هل أستطيع أن أخدمك بشيء ؟
فهززت رأسي مرة بلا ثم بنعم ثم بصمت مطبق ، راحت تنظر إلي مستغربة ، وإستجمعت عندها قواي ، وشحذت عزيمتي ، وسللت حماستي وقلت :
- لقد أردت أن أتعرف عليكي ، فأنا أراقبك منذ سنوات !!
فأحمرت وجنتيها من الخجل ، وراحت تنظر إلى الأرض في إرتباك شديد ، ثم واصلت :
- أنا لا أقصد مضايقتك ، ولكن الفضول ، وربما الإعجاب جرأني اليوم لأقتحم خلوتك
فلملمت أشلائها ، وراحت تضحك بهستيرية ، وأنا مستغرب تماماً ، ثم قالت :
- تراقب إمرأة مقعدة في العقد الرابع من عمرها !! أنت غير طبيعي !!
وشعرت بإنها لا تصدقني ، وبدت ملامح الضيق على وجهي ، وخيبت الأمل تشع من عينيا ، وأوشكت على القيام ، فربتت على كفي بحنو بالغ قائلة :
- لا تغضب ، أنا مدينة لك بأول ضحكة في حياتي !!
فسألتها مباشرة وبقسوة :
- ما هذا الكتاب الذي بين كفيك ؟!
فقلبت الكتاب بين كفيها ، ثم نظرت إلي ، ومدت يدها لتعطيني الكتاب ، قائلة :
- تفضل !! يمكنك أن تقرأه ، إنها ذكريات حياتي !!
أمسكت الكتاب ورحت أقلب في صفحاته بنهم شديد ، لا أحرف ، لا كلمات ، لا عبارات ، صفحات بيضاء ، إبتلت ، وجفت ، فنظرت إليها مستغرباً ، لتقول :
- أنا لا أجيد الكتابة مثل الأدباء ، وتلح علي خواطر كثيرة سجلتها بالدموع ، كلها بالدموع !!
فإتسعت حدقتي ، وثغر فاهي ، وهي تنظر إلي وتضحك ، تضحك ، ثم قالت :
- دعني أوضح لك !!
ورحت أقلب في صفحات الكتاب وهي تخبرني بكل نوع من أنواع الدموع المجفف على الصفحة
دموع الغـــــــــــــــــــــــــــــــــضــــــــــــــــــــــــــب
العنــــــــــــــــــــــــــــــــــاد
الرضا
الوفاق
الصلح
الوفاء
الألم
الوجع
الإشتياق
القهر
الظلم
الحرمان
الفقر
الجوع
الحب
اللهفة
المتعة
النشوة
الفراق
اللقاء
العذاب
الإنكسار
الإنتظار
الوحدة
الغدر
الخيانة
الإمتلاك
النصر
الهزيمة
الضياع
الفرح
الحزن
الذل
الرجاء
القسوة
الحنان
الرحمة
الشفقة
المواساة
الندم
الكره
الإنتقام
الخوف
الرعب
الأمان
النسيان
الذكريات
الحقد
البغض
الكرامة
السماح
الصفاء
لكل دمعة قصة كانت تقصها علي ، ومرت الدقائق ، والساعات ، الأيام ، والأسابيع ، الشهور ، والفصول ، وسنوات ، كلمح البصر ، تنتظرني ، وأنتظرها ، وفي كل صفحة دمعة ، ولكل دمعة حكاية ، ودائماً مؤلمة !! ولم يعد في الكتاب غير صفحيتين ، بدمعتين ، هذه الدمعة كانت غريبة ، فنظرت إليها متسائلاً ، فردت بضحكتها الصاخبة التي تعودت عليها قائلة في خجل :
- هذه دموع البصل !!
فضحكت أنا الآخر ، وأنا لا أريد أن أقلب الصفحة الأخيرة حتى لا أحرم من رؤيتها بعد اليوم ، ولكنها أشارت لي برموش عينيها أن أقلب الصفحة ، فلما قلبتها ، وجدتها بيضاء ، بدون دموع ، وعندها أمسكت بيدي لأول مرة ، وشدت عليهما قائلة بصوت متهدج :
- هذا أصعب بكاء ، البكاء من دون دموع ، كالألم بدون صراخ !!
وإذا بي لا أتمالك نفسي ، وتتسلل من مؤقتيا ، عبرات ساخنة ، تنسال على خدي ، وتسقط على غلاف الكتاب ، فتريح ظهرها على الكرسي ، وتنظر إلي قائلة :
- شكراً ، شكراً على التوقيع !!
وراحت!!
ورحت أجهش في بكاء شديد ، أو أؤكد التوقيع !!
إنتهى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق