إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 24 ديسمبر 2010

مريومه - قصة قصيرة

( مــــريــــومــــه )
قصه قصيرة كتبها :ـ احمد كمال


* مريومه بنت شقية ، جنسيتها فلسطينية ، مشتتة في كل البلاد ، تبحث عن هوية ، تعشق اسر قلوب الرجال ، فلا يخضع لها إلا أنصاف
الرجال ، وأرباع الرجال ، ومن هم ليسو برجال ولكنهم ذكران . تحبوا نحو أنوثتها ببراءة طفولتها ، لها وجه أبيض مستدير كقبة الصخرة فوق المسجد العتيق ، تلمحها آتية من بعيد ، بنور ليس له مثيل ، يتوج رأسها شعر طويل ، من النهر إلى البحر ، ويتسع صدرها لكل المحبين من الناقورة حتى أم الرشراش على الخليج ، يسكن في عظم جسدها الأنثوي الهزيل ، عشرات الرصاصات ، بعضها صهيونية ، وكثير منها عربية ، وما كان يؤلمها أن أكثر ما سكن في عظم جسدها ولا يزال تلك الرصاصات الفلسطينية ، تتألق مريم كل صباح وهي تستمع إلى أصوات النواح ، في نشرات الأخبار على الفضائيات ، وهي ذاهبة إلى مدرستها الأجنبية ، في الإمارات صادقت أذنها ذاك النواح ، وتجمدت مشاعرها من كثرة تلك الجراح ، حتى إنها تتشاءم في أي صباح إذا لم تسمع تلك الأصوات ، وتستقل مع صديقاتها الحافلة الفارهة ، ومعها كل ما تريد ، جوال مشحون ، ورصيد مملوء ، وفي الطريق إلى المدرسة تداعبها الشمس بدفء فلسطين ، ويشقيها الهواء بتشريد شعرها ، ويغزوا أنفها برائحة البرتقال من يافا اللاجئين ، ولكنها لا تهتم بذلك ، تهتم فقط بأسر قلب جديد ، ترميه بنظرة ، فيصبح قلبه لنظراتها أسير ، ويطمع في المزيد ، وتدخل مريومه صفها في السنة الأولى ثانوية ، وتجلس كما تحب على الدرج الأول ، وتدخل معلمتها الأمريكية ، تحمل خريطة عالمية ، لتدرس لهن حصة جغرافية وهمية ، ولما علقت الخريطة على الحائط وانسدلت على استحياء فهي تدري إنها مدعية ، هبت مريومه واقفة ، وعلى وجهها ملامح الغضب قوية ، وهي تصرخ في معلمتها الأمريكية :ـ
ـــ ما هذا أيتها ...... أين فلسطين في خريطتك الوهمية ؟!
فاستغربت معلمتها من سؤالها ، وسكن كل البنات في فصلها وساد صمت أرهب معلمتها حتى استجمعت كل غبائها وأجابت على سؤالها قائلة :ــ
ـــ ليس هناك فلسطين ، هذه هي دولة إسرائيل ، بكل المواثيق ، والقرارات الدولية ومعاهدات الاستسلام العربية ،؟!
فاشتد غضب مريومه وتساءلت كالمجنونة قائلة :ــ
ـــ إذا كنت صادقة فماذا أكون أنا ؟
فدارت المعلمة حول نفسها حائرة حتى قالت مبررة :ــ
ــ أنت كما يشاء لكي أن تكوني ؟!
فضربت مريومه بيدها على الدرج بقوة وكأنها فجرت قنبلة مدويه :ــ
ــ أنا لم أكون إلا أنا ، مهما أصدرتم من قرارات ، أو ادعيتم غير الحقائق ، أنا مريم فلسطينية من رام الله ، وفلسطين محتلة من عصابات صهيونية .
وأمتقع وجه معلمتها عندما صفقن لها صديقاتها ، كأنها باحت بما أردن البوح به واستحت من ذاك البوح كل تلك الألسنة ، فاقتربت منها المعلمة ترتجف ، وهي تقول بصوت مهتز مشروخ :ــ
ـــ إرهابية ............ ، أنت إذن إرهابية !!
فنظرت إليها مريومه بنظرة إشفاق مهمومة قائلة :ـــ
ــــ أيتها المعلمة نحن لم نبد الهنود ، وهتلر لم يكن عربياً ، وأفران الغاز ألمانية ، أفرزتها حضارتكم الغربية ، وتدعين أني أنا الإرهابية ؟؟!
توقفت المعلمة ثم تراجعت خطوة للوراء ، وصاحت بغضب قائلة :ــ
ـــ هيا اخرجي من هنا أيتها اللاجئة !!
وشعرت مريومه بانكسارتها منذ أن بدأت قضيتها ، وما كادت أن تفعل حتى صاحت طالبة إماراتية جنسيتها ، رباها زايد على قولة الحق الأبية ، قائلة بصوت مجلجل هز الصفوف من المحيط إلى المحيط :ــ
ـــ لا والله لن تغادر مريم صفها ، ولن نحتمل بعد اليوم إثمها ، غادري أنت أيتها المعلمة المستقوية !!
وصحن كلهن غاضبات في معلمتها الأمريكية حتى اهتزت من أعماق أعماقها وأصابها خواء ، فآثرت الانسحاب ، وارتمت مريومه على درجها مهمومة حتى التففن حولها الطالبات ، وربتت على كتفها طالبة جنسيتها مصرية انحنت وقبلت رأسها ، فارتمت مريومه برأسها على صدرها ، وانهمرت دموعهن من المآقي ، تدير في كل البلاد السواقي ، حتى أتت طالبة جنسيتها لبنانية ، كفكفت الدموع وبقى في كفها بلل ، فمسحت على الخريطة الوهمية ، ومحت إسرائيل العنصرية ، فصحن الطالبات صيحة فخر قوية واندفعن نحو الخريطة يشكشكن أصابعهن بالدبابيس لتنزف جراحهن ويكتبن على الخريطة بدمائهن العربية ، فلسطين . ولأول مرة في تلك المدرسة الأجنبية ، وفي حصة الجغرافيا ، تعلو الهتافات ، وترن الزغاريد ، ويأتين من كل صف مهنئين ومهنئات بطلة التحرير ، وفي ذلك اليوم غادرت مريومه صفها ، واستقلت حافلتها المدرسية ، وهي لا تنوي أسر قلوب أنصاف الرجال ، ولا أرباع الرجال ، ولا من يدعون أنهم رجال ، بل انتوت أن تسلم قلبها لرجل يحل القضية .
تمت