إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 24 ديسمبر 2010

مريومه - قصة قصيرة

( مــــريــــومــــه )
قصه قصيرة كتبها :ـ احمد كمال


* مريومه بنت شقية ، جنسيتها فلسطينية ، مشتتة في كل البلاد ، تبحث عن هوية ، تعشق اسر قلوب الرجال ، فلا يخضع لها إلا أنصاف
الرجال ، وأرباع الرجال ، ومن هم ليسو برجال ولكنهم ذكران . تحبوا نحو أنوثتها ببراءة طفولتها ، لها وجه أبيض مستدير كقبة الصخرة فوق المسجد العتيق ، تلمحها آتية من بعيد ، بنور ليس له مثيل ، يتوج رأسها شعر طويل ، من النهر إلى البحر ، ويتسع صدرها لكل المحبين من الناقورة حتى أم الرشراش على الخليج ، يسكن في عظم جسدها الأنثوي الهزيل ، عشرات الرصاصات ، بعضها صهيونية ، وكثير منها عربية ، وما كان يؤلمها أن أكثر ما سكن في عظم جسدها ولا يزال تلك الرصاصات الفلسطينية ، تتألق مريم كل صباح وهي تستمع إلى أصوات النواح ، في نشرات الأخبار على الفضائيات ، وهي ذاهبة إلى مدرستها الأجنبية ، في الإمارات صادقت أذنها ذاك النواح ، وتجمدت مشاعرها من كثرة تلك الجراح ، حتى إنها تتشاءم في أي صباح إذا لم تسمع تلك الأصوات ، وتستقل مع صديقاتها الحافلة الفارهة ، ومعها كل ما تريد ، جوال مشحون ، ورصيد مملوء ، وفي الطريق إلى المدرسة تداعبها الشمس بدفء فلسطين ، ويشقيها الهواء بتشريد شعرها ، ويغزوا أنفها برائحة البرتقال من يافا اللاجئين ، ولكنها لا تهتم بذلك ، تهتم فقط بأسر قلب جديد ، ترميه بنظرة ، فيصبح قلبه لنظراتها أسير ، ويطمع في المزيد ، وتدخل مريومه صفها في السنة الأولى ثانوية ، وتجلس كما تحب على الدرج الأول ، وتدخل معلمتها الأمريكية ، تحمل خريطة عالمية ، لتدرس لهن حصة جغرافية وهمية ، ولما علقت الخريطة على الحائط وانسدلت على استحياء فهي تدري إنها مدعية ، هبت مريومه واقفة ، وعلى وجهها ملامح الغضب قوية ، وهي تصرخ في معلمتها الأمريكية :ـ
ـــ ما هذا أيتها ...... أين فلسطين في خريطتك الوهمية ؟!
فاستغربت معلمتها من سؤالها ، وسكن كل البنات في فصلها وساد صمت أرهب معلمتها حتى استجمعت كل غبائها وأجابت على سؤالها قائلة :ــ
ـــ ليس هناك فلسطين ، هذه هي دولة إسرائيل ، بكل المواثيق ، والقرارات الدولية ومعاهدات الاستسلام العربية ،؟!
فاشتد غضب مريومه وتساءلت كالمجنونة قائلة :ــ
ـــ إذا كنت صادقة فماذا أكون أنا ؟
فدارت المعلمة حول نفسها حائرة حتى قالت مبررة :ــ
ــ أنت كما يشاء لكي أن تكوني ؟!
فضربت مريومه بيدها على الدرج بقوة وكأنها فجرت قنبلة مدويه :ــ
ــ أنا لم أكون إلا أنا ، مهما أصدرتم من قرارات ، أو ادعيتم غير الحقائق ، أنا مريم فلسطينية من رام الله ، وفلسطين محتلة من عصابات صهيونية .
وأمتقع وجه معلمتها عندما صفقن لها صديقاتها ، كأنها باحت بما أردن البوح به واستحت من ذاك البوح كل تلك الألسنة ، فاقتربت منها المعلمة ترتجف ، وهي تقول بصوت مهتز مشروخ :ــ
ـــ إرهابية ............ ، أنت إذن إرهابية !!
فنظرت إليها مريومه بنظرة إشفاق مهمومة قائلة :ـــ
ــــ أيتها المعلمة نحن لم نبد الهنود ، وهتلر لم يكن عربياً ، وأفران الغاز ألمانية ، أفرزتها حضارتكم الغربية ، وتدعين أني أنا الإرهابية ؟؟!
توقفت المعلمة ثم تراجعت خطوة للوراء ، وصاحت بغضب قائلة :ــ
ـــ هيا اخرجي من هنا أيتها اللاجئة !!
وشعرت مريومه بانكسارتها منذ أن بدأت قضيتها ، وما كادت أن تفعل حتى صاحت طالبة إماراتية جنسيتها ، رباها زايد على قولة الحق الأبية ، قائلة بصوت مجلجل هز الصفوف من المحيط إلى المحيط :ــ
ـــ لا والله لن تغادر مريم صفها ، ولن نحتمل بعد اليوم إثمها ، غادري أنت أيتها المعلمة المستقوية !!
وصحن كلهن غاضبات في معلمتها الأمريكية حتى اهتزت من أعماق أعماقها وأصابها خواء ، فآثرت الانسحاب ، وارتمت مريومه على درجها مهمومة حتى التففن حولها الطالبات ، وربتت على كتفها طالبة جنسيتها مصرية انحنت وقبلت رأسها ، فارتمت مريومه برأسها على صدرها ، وانهمرت دموعهن من المآقي ، تدير في كل البلاد السواقي ، حتى أتت طالبة جنسيتها لبنانية ، كفكفت الدموع وبقى في كفها بلل ، فمسحت على الخريطة الوهمية ، ومحت إسرائيل العنصرية ، فصحن الطالبات صيحة فخر قوية واندفعن نحو الخريطة يشكشكن أصابعهن بالدبابيس لتنزف جراحهن ويكتبن على الخريطة بدمائهن العربية ، فلسطين . ولأول مرة في تلك المدرسة الأجنبية ، وفي حصة الجغرافيا ، تعلو الهتافات ، وترن الزغاريد ، ويأتين من كل صف مهنئين ومهنئات بطلة التحرير ، وفي ذلك اليوم غادرت مريومه صفها ، واستقلت حافلتها المدرسية ، وهي لا تنوي أسر قلوب أنصاف الرجال ، ولا أرباع الرجال ، ولا من يدعون أنهم رجال ، بل انتوت أن تسلم قلبها لرجل يحل القضية .
تمت

الأحد، 18 أبريل 2010

ممنوع من الصرف - قصة قصيرة

مَمْنُوْع مِن الْصَّرْف
قُصَّة قَصِيْرَة
كَتَبَهَا : أَحْمَد كَمَال
( فَيْلَسُوْف الْقِصَّة )
لَيْلَة مَثَل أَي لَيْلَة ، بَعْد نَهَار قَضَيْتَه فِي الْعَمَل ، وَالْسَّعْي بَيْن الْيَأْس وَالْأَمَل ، رُحْت أَعَد رُكْنَي الْخَاص الَّذِي أَنْزَوِي فِيْه مَثَل الْجَنِيْن ، فِي رَحِم الْمُسْتَحِيْل ، مَكْتَب كَبِيْر ، خَلْفِه كُرْسِي وَثِيْر ، مُتَحَرِّك ، دَوَّار ، وَفِرَاش مَحْشُوّر فِي الْزَّاوِيَة ، تَحْتَلُّه وِسَادَتَان مُنهِكَتَان مِن ثِقَل رَأْسِي ، وَغِطَاء فِي الْلَّيَالِي الْصَّيْفِيَّة ثَقِيْل ، وَفِي لَيَالِي الْشِّتَاء أَرَق مِن أَوْرَاق شَجَر الْخَرِيف ، ارْتَمَيْت عَلَى الْكُرْسِي وَرُحْت أُحَرِّك جَسَدِي يَمِيْنَا وَيَسَارَا ، أَنْتَظِر مَخَاضَا مَن رَّحِم الْعَقْل الْفَسِيح ، وَإِذَا بَشَاشَة الْحَاسُوْب تُنَادِي ( تُلَلِم ، تُلَلِم ، تُلَلِم ) أَدْرَكْت مُتَأَخِّرَا أَنَّنِي نَسِيْت بَرْنَامَج الْمُحَادَثَة الْفَوْرِيَّة يَعْمَل ، وَاقْتَحَمْت خَلْوَتِي أَحَد الْمُعْجَبَات ، فِي لَحْظَة الْمَخَاض ، وَبِمَا أَنَّنِي أَحْتَرِم الْضُّيُوْف ، أُجِبْت عَلَى اسْتِحْيَاء ، فَأَسْرَعْت هِي تَعْرِف عَن نَّفْسِهَا : -
- أَنَا شَيْمَاء
فَرَدَدْت بِحَمَاس ، وَأَصَابِعِي تَتَرَاقَص فَوْق أَزْرَار لَوَحَة الْمَفَاتِيْح : -
- الْفَتَاة الْذَّهَبِيَّة ؟!
فَأَجَابَت بِسُرْعَة عُمْرُهَا الْصَّغِيْر :-
- نَعَم هِي .... وَلَدَي سُؤَال أُسْتَاذِي الْعَزِيْز ؟!
وَلَمَّا رَحُبَت بِتَلَقِّي الْسُّؤَال ، كَان ( عِبَارَة) مَطْلُوْب أَن اسْتَخْرَج مِنْهَا مَمْنُوْع مِن الْصَّرْف مَع تَوْضِيْح سَبَب الْمَنْع ، حَتَّى تَجْتَاز الِاخْتِبَار ، وَرَغْم فَهْمِي لِلْسُّؤَال ، وَإدْرَاكِي صُلْب الْجَوَاب ، تَأَنَّيْت وَأَبَّرَقَت إِلَى عَقْلِي ذَاك الْسُّؤَال ، وَهِي تَلِح عَلَي بِسُرْعَة الْجَوَاب ، وَأَصْبَح زَعِيْق الْحَاسُوْب مَثَل حَي يَفِر مِن الَمَمَات ، وَأُخْتَرِق الْسُّؤَال حُدُوْد الْعَقْل ، وَدَخَل يُفَتِّش فِي مَجَرَّة الْمَعْلُوْمَات ، سِجِلّات ، صُوَر ثَابِتَة ، لَقَطَات ، لَم يَكْتُبْهَا مُؤَلَّف ، وَلَم يُصَوِّرُهَا مُصَوِّر ، وَلَم يُنْفِق عَلَيْهَا مُنْتَج ، وَلَم يَجْمَعُهَا مُرَتَّب الْلَّقَطَات ، وَأَخْرَجَهَا الْوَاقِع بِغَيْر حِسَاب ، وَتَأَمَّلْت عَقْلِي مِثْل ذَلِك الْحَاسُوْب ، يُسَجِّل عَلَي كُل أَحْدَاث حَيَاتِي ، صَوْت ، وَصُوُرَة ، حَتَّى أَحَاسِيْسِي الْمَغْموُرَة ، وَرَائِحَة الْذِّكْرَيَات الْمَقْهُوْرَة ، لَقَد رَاح الْسُّؤَال يَنْكَأ الْجَرَّاح ، تِلْو الْجَرَّاح ، وَالْأَفْرَاح تِلْو الْأَفْرَاح ، وَالْزَّلات تِلْو الْزَّلات ، وَتَسَاءَلْت لِمَن يُسَجِّل حَاسُوْب رَأْسِي رَغُما عَنِّي؟ فَأَنَا أَكِيْد لَا أَقْدِر أَن أَمْحُو مِن ذَاكِرَتِي مَا أَشَاء !! وَبَيْنَمَا شَيْمَاء فِي إِلْحَاحِهَا مُسْتَمِرَّة ، وَالْحَاسُوب عَلَا صْيَاحُه ، ( تُلَلِم ، تُلَلِم ، تُلَلِم ) ثُم أَجْرَاس الْتَّنْبِيْه الْمُزْعِجَة ( تِرِرِن ، تِرِرِن ، تِرِرِن ) وَكَأَنِّي صِرْت حَاسُوْبا بَشَرِي مِن دَاخِل حَاسُوْب فَتَاتِي الْذَّهَبِيَّة الْمَعْدَنِي ، وَبَيْنَمَا يُوَاصِل الْسُّؤَال تَحَرِّي الْجَوَاب فِي فَضَاء عّقْلِي وَالْسِّبَاحَة وَسَط كَثِيْر مِن الْأَشْيَاء ، تَمَرُّد الْوِجْدَان ، وَسَمِعْت أَنَّات ، تُغَلِّفْهَا خَفَقَات ، تَهْمِس بِشَوْق ، فَإِذَا بِه الْقَلْب أَرْسَل لَي عَبْر الْوِجْدَان ، يُرِيْد أَن يُجِيْب عَن هَذَا الْسُّؤَال . اسْتَغْرَبْت تُطَفِّله ، وَامْتَعَضَت مِنْه ، وَأَرَدْت أَن أَنْهَرُه ، فَقُلْت لَه عَبْر الْلِّسَان : -
- إِن هَذَا سُؤَال لِلْعَقْل .... وَلَيْس لِلْقَلْب هُنَا أَي جَوَاب !!
فَازْدَاد خَفَقَان قَلْبِي كَأَنَّه يُبَلِّغَنِي بِأَنَّه غَضْبَان ، وَصَاح قَائِلا : -
- لِلْعَقْل مَا ظَهَر ، وَلِلْقَلْب مَا بَطَن
فَارْتَسَمْت عَلَى شَفَتِي ابْتِسَامَة ، تَلَتْهَا رَعْشَة مِن شِدَّة خَفَقَان قَلْبِي ، فَأَرْسَلَت لَه عَبْر الْوِجْدَان : -
- أَنَا مِن يُقَرِّر هُنَا ... وَعَقْلِي قَد حُسِم الْجِدَال .
فَأَسْرَع يَرِد عَلَي غَاضِب : -
- وَأَنَا مِن مُلْك ... وَعَلَى عَرْش الْكَوْن أُجْلِسُك .
سَكَنَت مَكَانِي لَمَّا بَدَأ قَلْبِي يْعَصَاني ، وَرَاح يَخْفُت قَبَضَاتِه ، وَبَدَأَت تَتَجَمَّد أَطْرَافِي ، وَيَقْشَعِر جَسَدِي ، ثُم رُحْت أَرْتَجِف .... أَهْتَز .... بِالْكَاد الْتُقِط أَنْفَاسِي ، عَز عَن أَنْفِي اسْتِنْشَاق الْهَوَاء ، فَفَتَحْت فَمِي كَالْتَّمَاسِيْح رُبَّمَا تَضَخُّم حَجْم الْهَوَاء ، وَرَاح قَلْبِي يَخْفُت ثُم يَخْفُت ، فَانْحَنَى عّقْلِي مُعْلِنَا الْخُضُوْع ، وَرَاح قَلْبِي يَخْفِق مِن جَدِيْد ، وَيُضَخ الْدِّمَاء فِي الْشِّرْيَان وَالْوَرِيد ، وَيُعِيْد لِجَسَدِي الْحَيَاة مِن بَعِيْد ، تَنَفَّسَت الْصُّعَدَاء ، وَلَا زَالَت شَيْمَاء ، تُلِح مِن الْإِمَارِات ، تُرِيْد لِسُؤَالِهَا جَوَاب . لَمَعَت فِي عَيْنِي دُمُوْع الانْكِسَار ، فَعَقْلِي لَم يَرْضَخ يَوْمَا لِأَي انْهِزَام ، وَصَاح عّقْلِي أَخِيِرَا مُهَلِّلا : -
- عَثْرَت عَلَى الْجَوَاب !
وَرَاحَت أَطْرَاف أَنَامِل أَصَابِعِي تُكْتَب لِشَيْمَاء مَا تُرِيْد لِتَجْتَاز الِاخْتِبَار ، وَبَقِيَت أَنَا مُمْتَعِضا مِن قَلْبِي ، أَتَسَاءَل لِمَاذَا عَصَانِي ؟! فَإِذَا بِقَلْبِي يَخْفِق بِكَلِمَات :-
- أَلَا تُرِيْد جَوَاب الْسُّؤَال ؟!
فَهَزَزْت رَأْسِي بِأَن نَعَم ، فَخَفَق قَلْبِي مُجِيْبَا : -
- الْمَمْنُوْع مِن الْصَرْف .... أَن تَتَخَلَّى عَن الْحُلْم الْمُسْتَحِيْل !
اتَّسَعَت حَدَقَتَي مَن الدَّهْشَة ، فَوَاصِل خَفَقَانُه قَائِلا : -
- صِدْق حِلْمِك ... وَلَا تَخْجَل مِن الْبُوَح بِه .... وَاعْمَل عَلَيْه ... تُحَقِّق الْمُسْتَحِيْل
فَانْهَمَرَت دُمُوْع عَيْنِي بِحَبَّات الْأَمَل ، وَهَزَزْت رَأْسِي مُوَافِقَا ، حَتَّى تَحَوَّل خَفَقَان قَلْبِي إِلَى ضَحَكَات ، وَاعْتَذَر مِنِّي طَالِبُا الْعَفْو وَالْسَّمَاح ، وَرَاح يُطَبِطَب عَلَى صَدْرِي قَائِلا : -
- مَا أَسْعَدَك بِعَقَلِين .... أَحَدُهُمَا فِي رَأْسِك ، وَالْآخَر فِي قَلْبِك !
وَرَاحَت شَيْمَاء الْفَتَاة الْذَّهَبِيَّة ، بِإِجَابَة الْسُّؤَال الْعَقْلِيَّة ، وَفَاتَتِهَا إِجَابَة أَبْلَغ مِنْهَا مِن عَقْل قَلْبِي ، وَلَم تَكُن لَيْلَتَي لَيْلَة عَادِيّة ، فَقَد اكْتَشَفْت فِيْهَا أَنِّي رَجُلَا لَه عَقْلَان !!
،،،، تَمَّت ،،،،

السبت، 20 فبراير 2010

ذات تبحث عن نفسها ( ج १)


ادعم الكاتب واشتري نسخة من إصداره ذات تبحث عن نفسها
الناشر : مؤسسة القلم العربي الحر
أو عن طريق موقع مول الكتاب على شبكة الأنترنت
إقرأ.... وادعم

الجمعة، 19 فبراير 2010

دخلة وأربعة أبواب - قصة قصيرة

دخلة وأربعة أبواب
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
فيلسوف القصة
أنا رجل مسكين ، يرفض قلبي أن يستكين ، يخفق دائماً بتحقيق المستحيل ، ولا أملك غير سكين ، أسنه منذ عشرات السنين ، ليس لأي هدف ، غير أن يبقى مكين ، حتى رأيتها مثل الصباح المبين ، أسرت قلبي ، وغزوت قلبها ، واحتللت وجدانها ، وأبينا إلا الوصال المتين ، فانزوينا بعيداً عن كل الحاقدين ، بحب ليس له حدود ، غير كل هذا الوجود ، ولما استقرينا على قمة الجبل ، بدأت أنا في العمل ، لأقيم بيت يؤويني أنا والأمل ، وجاءنا مطر ، ألان لنا الحجر ، ورق لحالنا الصخر ، فرحت أنحت بذاك السكين مغارة في قلب الجبل العظيم ، وغرست هي بذرة ، تبقت من تفاحة نضرة ، وومضت الأيام ، ورمقت السنون ، وأنا أنحت في قلب الجبل العظيم ، وشجرتها تنموا ، ونستظل تحتها ، ونأكل من ثمرها ، حتى أبهجتنا السنين ، بولد من بعد ولد ، وأنا من الشاكرين ، وبدأ يأتينا الزائرين .
لم يهدأ السكين ، ورفض قلبي أن يستكين ، وراح يتململ ، ويبحث عن من يحتويه ، ومن أول نظرة ، وقعت في تلك الغلطة القذرة ، ليس بعيداً عن حدود فراشها ، وسحقت كل كبريائها ، ولما هاجمتني عينها ، والدمع ينزف من ألم جراحها ، أدركت أني فقدتها ، وركضت نحو شجرة تفاحها ، وأنا أحاول أن الحق بها ، وتسلقتها حتى احتوتها ، ومني عصمتها ، ولم تعد من وقتها ، وبقيت أنا والسكين ، وتفاحة جديدة ، تعشقني وفي عشقي عنيدة ، ولكني قربتها ، ونحت بيت جديداً لها ، زينته هي ، وتزينت لي ، وراحت تسرف في عشقها ، حتى غدت أسيرة غرامي ، وملأت أيامي ، لكن على قلبي ما قدرت ، وبقيت أنا أتذكر حبيبتي الأولى ، وأبتهل لشجرتها في كل عيد حب أن تعيدها دون جدوى ، حتى ذبلت حبيبتي الأخرى ، واعتصمت بالشجرة .
ولم يهدأ السكين ، ورفض قلبي أن يستكين ، وراح يعبث مع أخرى ، وكانت تلهو بي ، المرة تلو المرة ، حتى احتلت قلبي ، وتملكت عقلي ، وصرت لها عبداً ، ورحت أنحت لها بيت ، زينته بكل أنواع الزينة ، الممكنة والمستحيلة ، حتى ترضى وتأتيني أسيرة ، لكن أبى قلبها أن يلين ، ورأيتها في نفس المشهد المهين ، تحتل عمق فراشي ، مع رجل مثلي يملك سكين ، يرفض قلبه أن يستكين ، وتدفق في عروقي غضب محموم ، وآثر السكين ، الذي نحت البيوت عبر السنين ، إلا أن يذبح ، وحكم قلبي عليها بأن لا يصفح ، وأنا لا أرضى ، وغصة في قلبي تأبى وتزلزل نفسي قائلة :
- افعل ما شئت يا مسكين ، فكما دنت تدان ، وقدرت عليهما ، ولم تقدر هي عليك ، ولا يملك العفو إلا السالمين
أدركت حقيقتي ، حين نضح على ثوبي الأبيض دماء غزيرة ، ومن وقتها ذبل قلبي الأخضر ، وهجرني أولادي وأصبحت أبتر ، ورحت أبتهل من جديد ، وأرتل الترانيم ، تحت ظل شجرة التفاح العتيقة ، عسى أن يرق قلب حبيبتي ، وتعود كما كانت وهجاً في دنيتي ، وتعيد إلي بهجتي ، لكنها أبت أن تعود ، وأصرت أن تبقى غائبة عن الوجود ، وبقيت أنا بدون أن أكون هنا .
وصدأ السكين ، وآثر قلبي أن يستكين ، ونالت مني السنين ، حتى وجدتني عابراً ، ووجدتها قادمة ، حالي مثل حالها ، تعاهدنا أن نؤوي بعضنا ، حتى يأتينا اليقين ، فرحت أنحت البيت الأخير ، ليس به زينة ، ولم أسع لتكون لي أسيرة ، فقط أريدها مني قريبة ، ولم ترد هي غير ذلك ، وبقيت أنا والندم وذاك السكين ، الذي نحت حتى بهت ، ولم يتبق منه غير الصدأ ، وبقيت أعيش على ذكرى حبيبتي الأولى ، أبتهل كل ليلة تحت شجرتها المهولة ، ألتمس يوم عودتها ، أو صعودي أنا إليها .
تمت ،،،

الخميس، 18 فبراير 2010

دخلة وأربعة أبواب - قصة قصيرة

دخلة وأربعة أبواب
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
فيلسوف القصة
أنا رجل مسكين ، يرفض قلبي أن يستكين ، يخفق دائماً بتحقيق المستحيل ، ولا أملك غير سكين ، أسنه منذ عشرات السنين ، ليس لأي هدف ، غير أن يبقى مكين ، حتى رأيتها مثل الصباح المبين ، أسرت قلبي ، وغزوت قلبها ، واحتللت وجدانها ، وأبينا إلا الوصال المتين ، فانزوينا بعيداً عن كل الحاقدين ، بحب ليس له حدود ، غير كل هذا الوجود ، ولما استقرينا على قمة الجبل ، بدأت أنا في العمل ، لأقيم بيت يؤويني أنا والأمل ، وجاءنا مطر ، ألان لنا الحجر ، ورق لحالنا الصخر ، فرحت أنحت بذاك السكين مغارة في قلب الجبل العظيم ، وغرست هي بذرة ، تبقت من تفاحة نضرة ، وومضت الأيام ، ورمقت السنون ، وأنا أنحت في قلب الجبل العظيم ، وشجرتها تنموا ، ونستظل تحتها ، ونأكل من ثمرها ، حتى أبهجتنا السنين ، بولد من بعد ولد ، وأنا من الشاكرين ، وبدأ يأتينا الزائرين .
لم يهدأ السكين ، ورفض قلبي أن يستكين ، وراح يتململ ، ويبحث عن من يحتويه ، ومن أول نظرة ، وقعت في تلك الغلطة القذرة ، ليس بعيداً عن حدود فراشها ، وسحقت كل كبريائها ، ولما هاجمتني عينها ، والدمع ينزف من ألم جراحها ، أدركت أني فقدتها ، وركضت نحو شجرة تفاحها ، وأنا أحاول أن الحق بها ، وتسلقتها حتى احتوتها ، ومني عصمتها ، ولم تعد من وقتها ، وبقيت أنا والسكين ، وتفاحة جديدة ، تعشقني وفي عشقي عنيدة ، ولكني قربتها ، ونحت بيت جديداً لها ، زينته هي ، وتزينت لي ، وراحت تسرف في عشقها ، حتى غدت أسيرة غرامي ، وملأت أيامي ، لكن على قلبي ما قدرت ، وبقيت أنا أتذكر حبيبتي الأولى ، وأبتهل لشجرتها في كل عيد حب أن تعيدها دون جدوى ، حتى ذبلت حبيبتي الأخرى ، واعتصمت بالشجرة .
ولم يهدأ السكين ، ورفض قلبي أن يستكين ، وراح يعبث مع أخرى ، وكانت تلهو بي ، المرة تلو المرة ، حتى احتلت قلبي ، وتملكت عقلي ، وصرت لها عبداً ، ورحت أنحت لها بيت ، زينته بكل أنواع الزينة ، الممكنة والمستحيلة ، حتى ترضى وتأتيني أسيرة ، لكن أبى قلبها أن يلين ، ورأيتها في نفس المشهد المهين ، تحتل عمق فراشي ، مع رجل مثلي يملك سكين ، يرفض قلبه أن يستكين ، وتدفق في عروقي غضب محموم ، وآثر السكين ، الذي نحت البيوت عبر السنين ، إلا أن يذبح ، وحكم قلبي عليها بأن لا يصفح ، وأنا لا أرضى ، وغصة في قلبي تأبى وتزلزل نفسي قائلة :
- افعل ما شئت يا مسكين ، فكما دنت تدان ، وقدرت عليهما ، ولم تقدر هي عليك ، ولا يملك العفو إلا السالمين
أدركت حقيقتي ، حين نضح على ثوبي الأبيض دماء غزيرة ، ومن وقتها ذبل قلبي الأخضر ، وهجرني أولادي وأصبحت أبتر ، ورحت أبتهل من جديد ، وأرتل الترانيم ، تحت ظل شجرة التفاح العتيقة ، عسى أن يرق قلب حبيبتي ، وتعود كما كانت وهجاً في دنيتي ، وتعيد إلي بهجتي ، لكنها أبت أن تعود ، وأصرت أن تبقى غائبة عن الوجود ، وبقيت أنا بدون أن أكون هنا .
وصدأ السكين ، وآثر قلبي أن يستكين ، ونالت مني السنين ، حتى وجدتني عابراً ، ووجدتها قادمة ، حالي مثل حالها ، تعاهدنا أن نؤوي بعضنا ، حتى يأتينا اليقين ، فرحت أنحت البيت الأخير ، ليس به زينة ، ولم أسع لتكون لي أسيرة ، فقط أريدها مني قريبة ، ولم ترد هي غير ذلك ، وبقيت أنا والندم وذاك السكين ، الذي نحت حتى بهت ، ولم يتبق منه غير الصدأ ، وبقيت أعيش على ذكرى حبيبتي الأولى ، أبتهل كل ليلة تحت شجرتها المهولة ، ألتمس يوم عودتها ، أو صعودي أنا إليها .
تمت ،،،

الأربعاء، 17 فبراير 2010

أثير الحب - قصة قصيرة

أثير الحب
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
دخلت بسرعة إلى المركز التجاري الكبير ، فالسماء ممطرة ، وسترتي غير واقية ، كان الزحام شديداً ، والبضائع وفيرة ، ولكني كنت أبحث عن شيء لا يباع منذ عشرات السنين ، فرحت أجول ، وأجول حتى تورمت قدمي ولم أعد قادراً على المشي ولا حتى الوقوف ، فارتميت باشتياق على أحد المقاعد أمام أحد المحلات ، وإذا بالكهرباء تنقطع ، ويصبح الضياء ممتنع ، لا شيء يمكن أن تبصره ، وامتزجت الأصوات ، بين صياح الدهشة ، وصراخ الخوف وبكاء الأطفال ، حتى أضاء أحدهم شمعة ، تلتها شمعة ، حتى أصبحت ألف وأربعمائة شمعة تضاء ، وبينما تبصر عينيا هذا الضياء ، إذا بي المح من بعيد ، سهم أرق من خيط العنكبوت ، وأقل سمك من جناح الفراشات صوبه أحدهم نحوي ثم راح ، وما استطعت منه الفكاك ، أصاب جسدي ، اخترق قلبي ، وضع علقة في رحمه ، أصابتني برعشة ، تلتها نشوة ، وغمرني شعور حقيقي بالميلاد ، فرحت أتلفت ذات اليسار وذات اليمين ، أبحث عن صاحبة السهم ، فإذا برسالة تلألأ في الهواء ، بلون فضي أخاذ ، لمستها بيدي ورحت أقرأها باهتمام ، مسطوراً فيها ( أحبك يا أيها الغبي منذ أول الزمان ؟! ) ارتسمت على شفتي ابتسامة خجل واستحياء ، فأغمضت عيني ، وقدحت عقلي ، وأبرقت بقلبي رسالة لها عبر الهواء ( من أنت أيتها البلهاء ؟! ) وسرعان ما عاد الرد بين طرفة عيني وخفقان قلبي ، رسالة تومض في الهواء ، تتهادى بألوان الطيف ، وينبعث منها عبير الأزهار ، استقبلتها باشتياق ، وقرأتها ( إن مرآة الحب عمياء ، وأنا كما قلت عني ،امرأة بلهاء ، فلا تلومني ، فاللوم على قلبي المشتاق ) فرحت أبرق لها من جديد ( أريد رؤيتك ؟ لماذا لي لا تظهرين ؟! ) فأبرقت عبر الأثير ، صورتها بحجم المحيط ، وجه طفولي كأنه ملاك ، يزينه شعر إلى الخصر أسود غير أي سواد ، وقليل من البني بمقدار ، عيناها واسعتان ، فيهما بريق ولمعان ، أنفها شامخ من زمن العنفوان ، وشفتاها تتدليان ، وبالخمر تجودان ، أسرعت أقبلها بلهفة ، فتلاشت صورتها ، وأبرقت على استحياء ، ( استحي أيها الإنسان ) فحملت الهواء بقبلة ليطبعها على شفتيها من عاشق لهفان ، فأخبرني الهواء إنه قد سلمها قبلتي ، وقد تلقتها بامتنان ، واحمرت وجنتاها خجلاً وحياء ، بينما أبرقت هي مدعية غضباً وعلامة استفهام ، فطلبت منها أن تعود ، وبالحب علي تجود ، أن ترتمي في أحضاني وتبقى إلى آخر الوجود ، فأبرقت نغمات ، خليط سيمفوني براق ، سمعته بإنصات ، تغلغل في كياني ، ودغدغ وجداني ، وراح قلبي يتراقص على نغماتها ، وراح الهواء بكل رقة يحملني لها ، وأنا أدور حول نفسي ، أتتبع جهاز رصدي ، حتى آتاني الهواء بها مثلي في الهواء محلقة ، تعانقنا باشتياق ، وزغرد الشمع ، وصفق الهواء ، والناس من حولنا مشدوهة ، عيونهم مبحلقة ، لا تصدق ما ترى ؟! وبرفق أنزلنا الهواء ، ولامست أقدامنا الأرض ، فرحنا نتراقص على نغمات سيمفونيتها ، ورحت أدور بها ، وأدور ، كطفل يريد أن يثور ، ويهفهف علي شعرها كأنه غيور ، وتلاحقت أنفاسها ، واشتد خفقان قلبها ، ولمع بريق عينيها ، وأنا لا زلت أدور ، وأدور ، أريد أن أفور ، ولا أخمد أبداً حتى الضمور ، والناس من حولنا تفسح لنا ممراً للعبور ، وإذا بنا خارج المركز ، والسماء تمطرنا ، والماء يبللنا ، وما اهتممنا ، ولكنا توقفنا في لحظة إدراك ، ثم أبينا إلا التلاقي ، فوقفت أمامي ، وارتمت بين ذراعي ، ورحنا نتراقص على نغمات سيمفونيتها ، كأننا في دنيا غير تلك الدنيا ، عبثنا بالماء كالأطفال ، وداعبنا المطر بمزيد من الماء ، حتى غدت الأرض بحيرة ، نتراقص على صفحتها بأطراف أنامل أقدامنا ، والناس ترقبنا من خلف الجدار الزجاجي الشفاف ، وترشني بالماء ، وأرش عليها بأكثر منها ، حتى عادت فجأة الكهرباء ، وأضاءت المركز التجاري الأنوار ، وتنبهنا لكل الرواد ، الذين كانوا ما بين معجب أو مستنكراً مغتاظ ، احمرتا وجنتانا من الخجل ، وسألنا الأرض ابتلاع ، ولكني مددت لها ذراعي فارتمت بينهما ، تسألني الحماية ، التصقت بي ، وألقت برأسها فوق كتفي ، تطلب الراحة ، فأحطتها بذراعي ، ورحت أدفئها بأنفاسي ، وأتحسس شعرها وأنا أهمس في أذنها ( لا تخافي ) ثم حملتها على ساعدي ، ورحت أخطوا بها صاعداً درجات المجد والرخاء ، وأنا اسمع الرجال في المتجر الكبير يصفقون ، والنساء يزغردون ، والأطفال يصفرون ، وأنا أقترب من النجوم .
،،،تمت ،،،

الجمعة، 8 يناير 2010

من وراء حجاب

من وراء حجاب
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
كانت نائمة على فراشها في غرفتها ،كل ما يحيط بها ظلام ، وجدران اتشحت بالسواد ، وسقف ليس له عنوان .
تقلبت على جنبها إلى اليسار ، ثم إلى جنبها اليمين ، وارتسمت على شفتيها ابتسامة الرضا ، فقد كانت تسبح بروحها في فضاء فسيح ، ليس فيه غيرها ، ولا أحد هناك يضيرها ، ثم استقرت على ظهرها ، وتلألأ جسدها الأبيض في ظلام غرفتها كالثلج في عتمة الليل البغيض ، وانبعث من وجهها وهج ملائكي ، وتهللت ملامحها الطفولية ، وراح قميص نومها الأسود ، القصير ، الشفاف ، يداعب جسدها الثائر المثير ، حتى فتحت عيناها ، ولمع فيهما بريق ونهضت مسرعة نحو مقبس الإضاءة ، تلتمس نوراً ، وهى تتحسس جدران غرفتها الشاحبة ، ولا تكاد ترى غير ما تريد ، حتى أضاءت النور ، فتنفست الصعداء ، وتهللت أساريرها عندما أدرك غرفتها النور ، وبقى في بداخلها اكتئاب من رؤية تلك الجدران السوداء ، تنتحب في كل وقتها ، وتنغص عليها حياتها ، وتئن و تتوسل لتغيير لون الطلاء ، لكنهم قالوا لها أن اللون الأسود وقار، وعفة ، ومخرج من النار ؟! ما ارتضت به ولم تقنع ، وظل يضايقها ، ولكنها تعودت عليه ولم تحبه ! وإذا بها تحدق في الساعة المعلقة على الحائط ، إنها السابعة ! وتتساءل في نفسها لماذا الشمس غابت ؟ّ! فراحت مسرعة نحو النافذة تفتحها بأناملها الرقيقة ، حتى تفاجأت بجدار ، اتشح هو الآخر بالسواد ، زلزلتها المفاجأة ، وراحت تتراجع بخطواتها وهى تصيح قائلة :-
- يا ويلاه .... من أين أتى هذا الجدار ؟!
وومض في خلايا عقلها فكرة ، أن تسرع وتستغيث بأهلها ، أو بالجيران ، أو بأحد المارة في الطرقات ، فأسرعت نحو الباب ، وأمسكت بالمزلاج ، وقد شحب وجهها وهي تسحب الباب ، واهتز كيانها عندما تفاجأت بجدار يسد الباب ، ويمنعها عن الأهل ، والجيران ، وحتى الناس في الطرقات ، واتشح الجدار هو الآخر بالسواد ، وراح الباب يهتز كأنه يقهقه ساخراً منها ، وراحت تضرب بيديها على الجدار ، غاضبة ، هائجة ، تطلب من الخارج النجدة وهى تصيح قائلة : -
- يا أيها الناس حطموا هذا الجدار
ولما أصابها الإعياء ، وشعرت بالدوار ، تراجعت بخطواتها حتى ارتمت بجسدها جالسة على حافة الفراش ، ودفنت رأسها بين كفيها ، وراحت تدلك شعرها بأناملها ، وهى مستغرقة في همها ، ولا تدري من أقام حولها هذا الجدار ، وسد عليها كل وسيلة لاتصالها بكل الجوار ولما هدأت قامت تتلفت حولها ، تستغرب كيف إنها تحملت كل هذا السواد ، وكيف هيأت لنفسها بنفسها أن تشيد حولها الجدار تلو الجدار ، ليحكم عليها الحصار ، فلا تملك من نفسها غير الخضوع والانصياع ، واشتعلت بداخلها نار ، وراحت تحطم أثاث غرفتها ، وتلطخ الجدران بكل الألوان ، ووقفت أمام مرآتها تحدق في نفسها وتهمس قائلة :-
- أيتها البلهاء الصواب ليس احتكار
وإذا بمرآتها تتشقق ، ثم تنفجر ، وتتناثر شظايا الزجاج ، فترتمي على الأرض فزعة ، وهي تصرخ قائلة : -
- يا ويلاه حتى مرآتك انفجرت غيظاً من أفعالك ؟!
ولما توقف هطول حبات الزجاج ، وهدأت طقطقات الانكسار ، رفعت رأسها بحذر ، ورنت بعينها تراقب موضع المرآة ، فإذا بالبرواز يحتوي سرداب ، أسرعت واقفة وراحت تنظر بداخله ، ولمحت في آخره شيئان ، نفق ضارباً في الأرض ، وسلم يصعد إلى السماء ، فازدادت دهشتها ، وبدت على ملامح وجهها حيرتها وتساءلت قائلة : -
- يا ترى ماذا سأختار ؟!
تمت

قلب السيف

قلب السيف
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
أنا سيّاف ، مهمتي قطع الرقاب ، وتنفيذ القصاص ، في كل متكبر جبار ، أو خارج على النظام ، أو قاتل النفس ، أو مهتك الأعراض ، ولي سيف ورثته عن الأجداد ، صنعه حداد ، من أمهر الصناع ، معدنه من خليط الذهب ، الفضة ، وبعض الحديد ، وقليلاً من القصدير ، صهر كل هذا في فرن ناره برداً وسلام .
في هذا الصباح سأنفذ القصاص في مجرم من أعداء الناس ، دائماً ما يذكرهم بالماضي ، ويكشف الأستار ، ويقيّم الرجال ، وينصف من ينصف ، لكنه سليط اللسان ، قوي الكلمات ، أنا لم أعرفه ، ولا أكرهه ، لكني في النهاية سيّاف مهمتي قطع الرقاب ؟! .
عبر الممر الطويل الموصل إلى غرفتي كنت أسير ، وأنا أسمع صوت أنين ، لا أدري ما مصدره ، لكنه أخترق أذني ، وأحزن قلبي ، وبات يفسد فرحتي التي أنتظرها مع كل قصاص ! وصلت إلى غرفتي وبدلت ثيابي ، مرتدياً ملابسي الرسمية ، بكل زهو وافتخار ، فأنا أظن نفسي من الأبطال ! ولما فتحت صندوق الزمان لإخراج السيف الهندام ، رأيته يهتز بشدة ، فزعت ، تراجعت حتى التصقت بالجدار ، فما رأيته أمراً محال ! شببت على مشط قدمي ، ومددت رقبتي ، ورنوت ببصري لآخر مدى ، أرقب السيف ، لأتيقن مما رأيت ، وإذا بالضابط يناديني عبر الممر بصوته الجهوري الأجش :-
- عجل أيها السياف !
فأسرعت نحو السيف وأنا أخاف ، وأمسكت به وجذبته إلي بقوة واقتدار ، وهو لا يزال يخفق ، وأسمع من داخله دقات ، وركضت عبر الممر ، نحو ساحة القصاص ، تدوي خطواتي بفعل حذائي الغليظ ، وكأن الأرض تبصق عليه وتغتاظ ، والأنين يزداد ، من نحيب السقف ، وبكاء الجدار ، وخرجت إلى الساحة ووجدتها قد اكتظت بالناس ، ينتظرون القصاص ، وكثيراً من الكبار جالسين على المنصة في الانتظار ، بينهم قاضي غلبه النعاس ؟! وبقى المجرم واقفاً يتلفت باستغراب ، رحت أخطوا نحوه باهتزاز ، من فعل خفقان سيفي ، وأنين الأرض ، كأنني في زلزال ، ولكني تصنعت الثبات ، وبصرت الرجل من قريب ، وقد غطى رأسه الشيب ، وذبلت عيناه من البكاء ، وشحب وجهه من العناء ، وتدلت شفتاه من الدعاء ، وانحنى ظهره من طول البقاء ، كان في قيده مغلولاً ، لكنه راح ببصره يصول ، ويجول ، ثم نظر إلي بثقة وارتسمت على شفتيه ابتسامة الرضا، فأمسكت به متصنعاً الغلظة ، ودفعت به ليجثوا على ركبتيه ، ويسلمني عنقه ، ولما فعل ، إذا بسيفي يزداد خفقانه ، وباتت يدي تعجز عن إمساكه ، وتفصد جسدي عرقاً غزيراً ، ولكني بقيت متماسكاً ، أدعي العدل ، وبداخلي ثورة من الشك ، وأهمس في نفسي قائلاً :
- يا ويلك من هذا القصاص !!
ورفعت سيفي ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي أصابها العناء ، ورحت أهوي به على عنقه أدقها، فإذا بالسيف يجهش في البكاء ، وتغيب الشمس ، وتنتحب السماء ، ويصيح الناس ، ويهب الكبار واقفين بهمة ونشاط ، وإذا بالرجل لا يزال حياً ، ونجت عنقه بسلام ؟! أصابني هياج ، وآلمتني عزة نفسي ، وشعرت باختناق ، فرحت أشحذ عزيمتي ، وأستجمع قوتي ، وأرفع سيفي من جديد ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي أصابها العناء ، وهويت بت على عنقه أدقها ، فإذا بالسيف يئن ويخيم على الساحة ظلام ، ويلمع السيف من برق السماء ، وساد الساحة صمت وسكون ، وجلس الكبار على المنصة بكل خنوع ، وقد أصاب الجميع ذهول ، فقد نجت عنق الرجل من جديد ؟! فأصابني عناد ، ورحت بكبرياء ، أرفع سيفي من جديد ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي كاد أن يشلها الإعياء ، ورحت أهوى به على عنقه أدقها ، فإذا بالسيف يثور ويصرخ قائلاً :
- هذا الرجل مظلوم !!
ويداهم الساحة ضباب ، أعمى الأبصار ، وترعد السماء كأنها ترسل إنذار ، فرميت السيف من يدي وقد ولد في قلبي نور ، جعله يثور ، ورحت أقول غاضباً وأنا أنظر إلى لا شيء ، ولصوتي صدى ، ورنين :
- أيها الناس إن للسيف قلب لا يخطيء ..... وللسياف عقل لا بد أن يدرك ... فأين القاضي ؟! وقد غلبه النعاس !!
فهدأت السماء ، وثبتت الأرض ، وتبدد الضباب ، وانقشع الظلام ، وأصاب الساحة ضياء ، وإذا بالرجل غير موجود ، والساحة زلزلها الذهول ، وأصبح سيفي مسرور !
،،،، تمت ،،،،