إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الجمعة، 8 يناير 2010

من وراء حجاب

من وراء حجاب
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
كانت نائمة على فراشها في غرفتها ،كل ما يحيط بها ظلام ، وجدران اتشحت بالسواد ، وسقف ليس له عنوان .
تقلبت على جنبها إلى اليسار ، ثم إلى جنبها اليمين ، وارتسمت على شفتيها ابتسامة الرضا ، فقد كانت تسبح بروحها في فضاء فسيح ، ليس فيه غيرها ، ولا أحد هناك يضيرها ، ثم استقرت على ظهرها ، وتلألأ جسدها الأبيض في ظلام غرفتها كالثلج في عتمة الليل البغيض ، وانبعث من وجهها وهج ملائكي ، وتهللت ملامحها الطفولية ، وراح قميص نومها الأسود ، القصير ، الشفاف ، يداعب جسدها الثائر المثير ، حتى فتحت عيناها ، ولمع فيهما بريق ونهضت مسرعة نحو مقبس الإضاءة ، تلتمس نوراً ، وهى تتحسس جدران غرفتها الشاحبة ، ولا تكاد ترى غير ما تريد ، حتى أضاءت النور ، فتنفست الصعداء ، وتهللت أساريرها عندما أدرك غرفتها النور ، وبقى في بداخلها اكتئاب من رؤية تلك الجدران السوداء ، تنتحب في كل وقتها ، وتنغص عليها حياتها ، وتئن و تتوسل لتغيير لون الطلاء ، لكنهم قالوا لها أن اللون الأسود وقار، وعفة ، ومخرج من النار ؟! ما ارتضت به ولم تقنع ، وظل يضايقها ، ولكنها تعودت عليه ولم تحبه ! وإذا بها تحدق في الساعة المعلقة على الحائط ، إنها السابعة ! وتتساءل في نفسها لماذا الشمس غابت ؟ّ! فراحت مسرعة نحو النافذة تفتحها بأناملها الرقيقة ، حتى تفاجأت بجدار ، اتشح هو الآخر بالسواد ، زلزلتها المفاجأة ، وراحت تتراجع بخطواتها وهى تصيح قائلة :-
- يا ويلاه .... من أين أتى هذا الجدار ؟!
وومض في خلايا عقلها فكرة ، أن تسرع وتستغيث بأهلها ، أو بالجيران ، أو بأحد المارة في الطرقات ، فأسرعت نحو الباب ، وأمسكت بالمزلاج ، وقد شحب وجهها وهي تسحب الباب ، واهتز كيانها عندما تفاجأت بجدار يسد الباب ، ويمنعها عن الأهل ، والجيران ، وحتى الناس في الطرقات ، واتشح الجدار هو الآخر بالسواد ، وراح الباب يهتز كأنه يقهقه ساخراً منها ، وراحت تضرب بيديها على الجدار ، غاضبة ، هائجة ، تطلب من الخارج النجدة وهى تصيح قائلة : -
- يا أيها الناس حطموا هذا الجدار
ولما أصابها الإعياء ، وشعرت بالدوار ، تراجعت بخطواتها حتى ارتمت بجسدها جالسة على حافة الفراش ، ودفنت رأسها بين كفيها ، وراحت تدلك شعرها بأناملها ، وهى مستغرقة في همها ، ولا تدري من أقام حولها هذا الجدار ، وسد عليها كل وسيلة لاتصالها بكل الجوار ولما هدأت قامت تتلفت حولها ، تستغرب كيف إنها تحملت كل هذا السواد ، وكيف هيأت لنفسها بنفسها أن تشيد حولها الجدار تلو الجدار ، ليحكم عليها الحصار ، فلا تملك من نفسها غير الخضوع والانصياع ، واشتعلت بداخلها نار ، وراحت تحطم أثاث غرفتها ، وتلطخ الجدران بكل الألوان ، ووقفت أمام مرآتها تحدق في نفسها وتهمس قائلة :-
- أيتها البلهاء الصواب ليس احتكار
وإذا بمرآتها تتشقق ، ثم تنفجر ، وتتناثر شظايا الزجاج ، فترتمي على الأرض فزعة ، وهي تصرخ قائلة : -
- يا ويلاه حتى مرآتك انفجرت غيظاً من أفعالك ؟!
ولما توقف هطول حبات الزجاج ، وهدأت طقطقات الانكسار ، رفعت رأسها بحذر ، ورنت بعينها تراقب موضع المرآة ، فإذا بالبرواز يحتوي سرداب ، أسرعت واقفة وراحت تنظر بداخله ، ولمحت في آخره شيئان ، نفق ضارباً في الأرض ، وسلم يصعد إلى السماء ، فازدادت دهشتها ، وبدت على ملامح وجهها حيرتها وتساءلت قائلة : -
- يا ترى ماذا سأختار ؟!
تمت

قلب السيف

قلب السيف
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
أنا سيّاف ، مهمتي قطع الرقاب ، وتنفيذ القصاص ، في كل متكبر جبار ، أو خارج على النظام ، أو قاتل النفس ، أو مهتك الأعراض ، ولي سيف ورثته عن الأجداد ، صنعه حداد ، من أمهر الصناع ، معدنه من خليط الذهب ، الفضة ، وبعض الحديد ، وقليلاً من القصدير ، صهر كل هذا في فرن ناره برداً وسلام .
في هذا الصباح سأنفذ القصاص في مجرم من أعداء الناس ، دائماً ما يذكرهم بالماضي ، ويكشف الأستار ، ويقيّم الرجال ، وينصف من ينصف ، لكنه سليط اللسان ، قوي الكلمات ، أنا لم أعرفه ، ولا أكرهه ، لكني في النهاية سيّاف مهمتي قطع الرقاب ؟! .
عبر الممر الطويل الموصل إلى غرفتي كنت أسير ، وأنا أسمع صوت أنين ، لا أدري ما مصدره ، لكنه أخترق أذني ، وأحزن قلبي ، وبات يفسد فرحتي التي أنتظرها مع كل قصاص ! وصلت إلى غرفتي وبدلت ثيابي ، مرتدياً ملابسي الرسمية ، بكل زهو وافتخار ، فأنا أظن نفسي من الأبطال ! ولما فتحت صندوق الزمان لإخراج السيف الهندام ، رأيته يهتز بشدة ، فزعت ، تراجعت حتى التصقت بالجدار ، فما رأيته أمراً محال ! شببت على مشط قدمي ، ومددت رقبتي ، ورنوت ببصري لآخر مدى ، أرقب السيف ، لأتيقن مما رأيت ، وإذا بالضابط يناديني عبر الممر بصوته الجهوري الأجش :-
- عجل أيها السياف !
فأسرعت نحو السيف وأنا أخاف ، وأمسكت به وجذبته إلي بقوة واقتدار ، وهو لا يزال يخفق ، وأسمع من داخله دقات ، وركضت عبر الممر ، نحو ساحة القصاص ، تدوي خطواتي بفعل حذائي الغليظ ، وكأن الأرض تبصق عليه وتغتاظ ، والأنين يزداد ، من نحيب السقف ، وبكاء الجدار ، وخرجت إلى الساحة ووجدتها قد اكتظت بالناس ، ينتظرون القصاص ، وكثيراً من الكبار جالسين على المنصة في الانتظار ، بينهم قاضي غلبه النعاس ؟! وبقى المجرم واقفاً يتلفت باستغراب ، رحت أخطوا نحوه باهتزاز ، من فعل خفقان سيفي ، وأنين الأرض ، كأنني في زلزال ، ولكني تصنعت الثبات ، وبصرت الرجل من قريب ، وقد غطى رأسه الشيب ، وذبلت عيناه من البكاء ، وشحب وجهه من العناء ، وتدلت شفتاه من الدعاء ، وانحنى ظهره من طول البقاء ، كان في قيده مغلولاً ، لكنه راح ببصره يصول ، ويجول ، ثم نظر إلي بثقة وارتسمت على شفتيه ابتسامة الرضا، فأمسكت به متصنعاً الغلظة ، ودفعت به ليجثوا على ركبتيه ، ويسلمني عنقه ، ولما فعل ، إذا بسيفي يزداد خفقانه ، وباتت يدي تعجز عن إمساكه ، وتفصد جسدي عرقاً غزيراً ، ولكني بقيت متماسكاً ، أدعي العدل ، وبداخلي ثورة من الشك ، وأهمس في نفسي قائلاً :
- يا ويلك من هذا القصاص !!
ورفعت سيفي ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي أصابها العناء ، ورحت أهوي به على عنقه أدقها، فإذا بالسيف يجهش في البكاء ، وتغيب الشمس ، وتنتحب السماء ، ويصيح الناس ، ويهب الكبار واقفين بهمة ونشاط ، وإذا بالرجل لا يزال حياً ، ونجت عنقه بسلام ؟! أصابني هياج ، وآلمتني عزة نفسي ، وشعرت باختناق ، فرحت أشحذ عزيمتي ، وأستجمع قوتي ، وأرفع سيفي من جديد ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي أصابها العناء ، وهويت بت على عنقه أدقها ، فإذا بالسيف يئن ويخيم على الساحة ظلام ، ويلمع السيف من برق السماء ، وساد الساحة صمت وسكون ، وجلس الكبار على المنصة بكل خنوع ، وقد أصاب الجميع ذهول ، فقد نجت عنق الرجل من جديد ؟! فأصابني عناد ، ورحت بكبرياء ، أرفع سيفي من جديد ملوحاً به في الهواء ، بيدي التي كاد أن يشلها الإعياء ، ورحت أهوى به على عنقه أدقها ، فإذا بالسيف يثور ويصرخ قائلاً :
- هذا الرجل مظلوم !!
ويداهم الساحة ضباب ، أعمى الأبصار ، وترعد السماء كأنها ترسل إنذار ، فرميت السيف من يدي وقد ولد في قلبي نور ، جعله يثور ، ورحت أقول غاضباً وأنا أنظر إلى لا شيء ، ولصوتي صدى ، ورنين :
- أيها الناس إن للسيف قلب لا يخطيء ..... وللسياف عقل لا بد أن يدرك ... فأين القاضي ؟! وقد غلبه النعاس !!
فهدأت السماء ، وثبتت الأرض ، وتبدد الضباب ، وانقشع الظلام ، وأصاب الساحة ضياء ، وإذا بالرجل غير موجود ، والساحة زلزلها الذهول ، وأصبح سيفي مسرور !
،،،، تمت ،،،،