إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2009

زواج المحارم ؟! - قصة قصيرة

زواج المحارم ؟!
قصة قصيرة

كتبها : أحمد كمال
(فيلسوف القصة)

جلست المسكينة ، في غرفتها العتيقة حزينة ، ليس على زوجها الفقيد ، ولكن على حظها العنيد ، الذي أبى أن يهديها على مر السنين عريس يحتويها كما تريد .
وبينما تفيض دموعها أنهاراً على خدودها ، طرق أحدهم بابها يستأذن بصوته المشروخ بالدخول ، فراحت تعتدل في جلستها ، وتصلح من هيئتها ، وتأذن له في الدخول ، وإذا به نفس الشيخ الكبير ، الذي طالما أحل لها زواج الآخرين ، بالرغم من علمه بعدم رضائها المبين ، وضع بصره في الأرض ، وطأطأ رأسه في خشوع وتهذيب :-
- سيدتي لقد جئنا لكي بعريس ، يعوضك عن الزواج التعيس !
فصاحت فيه غاضبه قائلة :-
- ألا تستحي أيها الشيخ الكبير ، فإني لا أسمع منك إلا نعير !
فتبسم لها محاولاً احتواء غضبها ، وراح يدنوا مقترباً جالساً إلى جوارها ثم قال في هدوء المستكين :-
- لاشيء فيها ياسيدة ، فلا بد أن تبقي مقيدة .
فوقفت هي، فصاحت فيه غاضبه ، متسائلة :-
- ومن ذاك العريس ، الذي سيعوضني زوجي البئيس ؟!
فحمحم قائلاً في حشرجة وهو يتضاءل خوفاً من غضبها :-
- إنه ولد الفقيد ، فإنه خير وريث !
فالتفتت إليه ، وأمسكت كتفاه بيديها ، وراحت تهزه حتى أطاحت بعمامته الزائفة وهي فيه تصيح قائلة :-
- ماذا قلت أيها الفقيه ، أتريد تزويجي من محرم سفيه ؟!
فأخذ يتودد إليها بنظراته الخاضعة ، ورضوخه لهزاتها العنيفة ، وهو يصيح قائلاً :-
- إهدأي يا سيدتي فإن الأمر ليس لي .
ولما أدركت معنى ما قاله ، هدأت وراحت بجواره تجلس وتستكين ، وتتمتم قائلة :-
- وكذلك الأمر ليس لي !
راحت تضرب خدها ، تنتحب ، وتناجي ربها قائلة :-
- أغثني يامغيث ، وأرسل لي العريس !
فنظر إليها محدقاً ، مستغرباً ، وطرح عليها السؤال السريع قائلاً :-
- من ذاك العريس ؟
فوقفت تفتح نافذة غرفتها العتيقة ، ليقتحم نور الشمس غرفتها ، وراحت تدور حول نفسها كالطفلة ليلة العيد، فرحة بلباسها الجديد ، قائلة في صوت أشبه بالترانيم :-
- هو رجل بمعنى كلمة رجل ، له عقل من ذهب ، وقلب من ألماس ، قرأ كثير من الكتب ، فصار فصيح اللسان ، أسر قلبي بكلامه ، ولا يحلم إلا بي ، ولا يوجد غيري في خياله ، هوايته تحقيق المستحيل ، ملأ عيناي بجسده القوي المتين ، وأدرك وجداني ببشرته السمراء من شمس الكادحين ، لا يملك إلا ما أعطيه ، ويرضى إذا منعته ، أنا همه ولا هم له إلا أنا ، ما تبقى من عمره يهبه لي ، ومهري قد قبلته ، قبلة منه على الجبين .
- فيقف الشيخ الكبير ، ويمسك بها حتى يمنع دورانها وراح يصيح قائلاً :-
- يا سيدتي أنتي تحلمين ، وفي الوهم تعيشين ، والسراب تنتظرين !
فصاحت فيه معنفة ، ودفعته بقوة عن طريقها صائحة ، غاضبة ، قائلة :-
- كذبت أيها اللعين ، إنه قادم قدوم الآمنين !
وخطت برشاقة إلى نافذتها ، واتكأت عليها بذراعيها ، وراحت تنظر إلى بعيد ، بعيد ، وهي ترتل الترانيم قائلة :-
- ربما هو في تلك الحافلة ، أو ربما ذلك المسكين ، وقد يكون هذا الذي يتطلع إلى من بعيد .... أنا هنا في إنتظارك أيها الحبيب !
فجثا الشيخ على ركبتيه وسط الغرفة ، وشبك يداه متوسلاً قائلاً :-
- أتوسل إليك أيتها السيدة الطيبة لا تتمنعين ؟
فالتفتت إليه صائحة ، ومعنفة بشموخ قائلة :-
- لا .... أيها الشيخ الهزيل .. لست أنا من تورث ، ولدي في جعبتي من السهام الكثير !
فيقف مسرعاً متسائلاً :-
- يا سيدتي ماذا تنوين ؟!
فقالت وفي عينيها كبرياء ، وقد أشاحت بطرحتها عن شعرها ، وأمسكت بضفيرتيها مقسمة :-
- والله يا أيها العريس ، سأبقى أنتظر حتى تأتي بالفرس ، ومعك أمتطيه ، ولن أكون زوجة مكرهة لجبار جديد ، أو زوجة محرمة لذاك الوريث ، فعجل بالمجيء .
واستسلم الشيخ الكبير ، لما أدرك أن طلبه مستحيل ، وغادر غرفتها العتيقة وتركها تبتهل ، أن يعجل عريسها بالمجيء .
تمت ؛؛

أسطورة شمس وقمر ؟!- قصة قصيرة

أسطورة شمس وقمر
(قصة قصيرة)
كتبها: أحمد كمال
(فيلسوف القصة)

كانت هناك قبل التاريخ مملكة بشرية ، حدودها كونية ، أسسها ملك عظيم ، من ولد آدم المخلصين ، وزوجته حورية ، ترعى أبناء الرعية ، وتعين زوجها على نشر العدل والحرية ، أنجبت له ولدان أميران ، الكبير شمس ، والصغير قمر ، كان شمس قائد للجيش يضيء بنور وجهه المكان ، وينشر دفئه في كل الأرجاء ، ومن يقترب من الحدود بعداء يحترق وإذا قصد غير ذلك أجزل له العطاء ، وله زوجه رائعة الجمال ، تسمى نور الصباح ، أما قمر فكان مخادع ، وليس له أي رادع ، وكثير السهر في المساء ، ولاه والده الملك أمن الرعية ، فراح ينشر الرعب ، ويستبيح أرواح الناس ، وأملاك الأثرياء ، وأعراض النساء ، ويهديها للمعية ، وتزوج من ظلام الليل أنثى جنية ، أفكارها شيطانية ، متمردة بطبعها ، وتسيطر على زوجها حتى صار لها مطية .
وذات ليلة مات الملك واتشحت المملكة بالسواد ، وفاضت الأنهار بالدموع من كل العباد ، وقبل ذكرى الأربعين اعتلى العرش شمس بعد بيعة مرضيه ، ولكن قمر بتحريض ظلام الليل لم يرض ، وراح على أخيه يتآمر ، ويحشد كل الآثمين ، حتى يطيح به ويستولي على العرش ، ولما دبر وخطط وأشعل الفتنة ، راح ينقلب ففشل وشرد مع من شرد ، وانقطعت أخباره ولم يدرى عنه أحد .
وراح شمس مع نور الصباح وأمه حورية يعملون على رخاء الرعية ، حرث الأرض ، غرس البذر ، أقام السدود ، شيد الجسور ، بنى البيوت ، المدارس والمعابد ، وأشعل النيران ليصهر الحديد ويصنع الفؤوس والدروع والمعاول ، وكل ما يفيد الإنسان ، واستأنس الحيوان ، حتى صارت طائعة له مختارة ، تقوم بعملها بكل سعادة ، وأنجبت له نور الصباح الكثير ، والكثير من الأولاد والبنات .
بينما قمر كان يغير على كل الأقوام الآمنين ، ويمارس غيه العظيم ، روض الوحوش ، وأشعل النيران ، ليصهر الحديد ، ويصنع السيوف ، السهام ، الرماح ، وكل ما يضر الإنسان ، أغرق الزرع ، وأهلك النسل ، وسقى الأرض بدماء المغدورين ، وأنجبت له ظلام الليل الكثير ، والكثير من الأبناء ، أنصاف آدميه ، حتى صار له جيش عظيم ، يزلزل الأرض ويروع الآمنين .
وفي ذات ليلة ، عوت فيها الذئاب ، وانزوت كل الحيوانات ، وفقدت السماء هيبتها ، ومارست الأرض غيتها ، اهتزت مملكة شمس ونور الصباح ، من مسير جيش قمر وظلام الليل ، ارتعبت الرعية ، وراح الملك يحشد قواته ، ويستعد ليحمي الديار من هجوم الأشرار، ولما وصل قمر إلى الأسوار راح يصيح على شمس بغرور وكبرياء طالباً أن يلتقي إياه ، ولما كان اللقاء منحه الخيار إما الرحيل أو الانصياع ، وأبى شمس رغم انبهاره بقوة جيش أعدائه وأختار الموت في سبيل البلاد ، وحتى يكون مثلاً لكل العباد ، ودقت الطبول ، ونفخت البوق ، والتقى الجيشان ، وبقيا يتقاتلان كل صباح ومساء ، حتى كسرت السيوف ، ونفذت الأسهم والرماح ، وخارت قوى الجنود حتى لم يعودوا يقووا على الوقوف ، هلكت الخيول ، وسفكت الدماء حتى ارتوت الأرض بما تشاء ، والتقى القائدان الشقيقين في قتال انتهى بما لم يكن محال .... ماتا وبعثت روحيهما إلى حيث يقدران ، فراح شمس إلى بعيد ، بعيد ، وأصبح نجماً في السماء ، يضئ الدنيا ويدفئ العباد ، وتلتقيه كل يوم نور الصباح ، ليخرج كل كادح إلى الفلاح ، يفضح كل فاسد ويحرق كل ظالم وينصر على مر الزمان كل أحفاده على الرغم من أنهم ليسوا أقوياء ، أما قمر فلم يذهب بعيداً لأن روحه شريرة ، بقى من الأرض قريباً ، بارداً مظلماً ، يسترق بعض ضياء شمس ، ويتلحف بدفيء نيرانه الصديقة .
وبقى قمر رقم الممات شريراً ، يلهم الشعراء ، ويغوي العشاق ، وبقوا أحفاده سمّر ساهرين ، في الخطايا غارقين ، متلهفون للحظة الانقضاض ، ونالوا شرف الاتصال بجدهم المغوار ، لما هبطت على جسده أو سفينة فضاء ، وانقسمت الدنيا منذ تلك المعركة لنصفين ، نصف لأحفاد شمس الأخيار وجلهم من الضعفاء ، الفقراء ، والنصف الآخر لأحفاد قمر الأثرياء ، الأقوياء ، وأصبحت الدنيا بينهما قسمان ، نهار وليل ، شرق وغرب ، شمال وجنوب ، ربما زاد ، ربما نقص ، حسب ما يحقق كل فريق انتصار ، ولم يحقق أحدهما آخر انتصار ، وتبقى على ذلك المملكة حتى يتحقق الوعد لشمس بالاقتراب ، فيحرق كل الأشرار ، وينشق قمر انشقاق ، لينتهي عصر أحفاده ، وينقطع دبر أبناءه .
ولايزال الصراع مستمراً .
تمت ،،،،

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2009

حوار في السماء _ قصة قصيرة

حوار في السماء
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
( فيلسوف القصة )
نادى قائد الطائرة عبر المكبرات ، المتبقي من زمن الرحلة دقائق معدودات ، تهللت أساريري ، ورحت أفرغ سعادتي من جسدي المهتاج ، أفرك رأسي ، أدعك عيني ، أقلب كفي ، فبعد قليل سأعود إلى الديار ، وأنهي سنوات الغربة ، وأيام الفرار .
أتلفت حولي أبحث عن صديق ، أفضفض له بتلك المشاعر ، وهذا الالتياع ، وإذا برجال وسط الممر يقفون ، يمسكون في أيديهم ، أجهزة الجوال ، ويلوحون بها لأعلى ، ويصيحون في هياج :
- لا حراك .... الطائرة مختطفة .... وإلا هلاك !
أدركتني صدمة شلت لساني ، وساد سكون ملأ كل وجداني ، وراح كل ركاب الطائرة في فضاء الكون ضائقون ، ولكن جاءتني فكرة طائشة ، لمعت في أم عقلي صائبة ، إذا كنا هالكون ، فلماذا لا أجري حوار ، مع هؤلاء الرجال ؟! أغوص في أعماق نفوسهم، كيف أنهم قادرون، أنفسهم يقدمون ؟! فأشرت للرجل عند آخر الممر ، فجاء ولما مني اقترب ، سألته بأدب :
- إذا كنت قد اتخذت القرار .... واقترب موعد الانتحار .... فدعني أعرف السبب ، ومن أين جاءك كل هذا الثبات ؟!
فنظر إلي الرجل بدهشة ، واستغراب ، كأن قد فاجأه السؤال ، إلا إنه قال :
- أنا أريد الانتقام ، فأمام عيني لا أرى إلا الظلام ، وهؤلاء إخواني ، من قتل أبويه ، ومن سحق أبناءه ، ومن اغتصبت زوجته ، أو شقيقاته ، وربما بناته ، أو ربما أغتصب وطنه بأكمله !!
فأسرعت متسائلاً :
- ولكن هل لك أعداء على متن هذه الطائرة المحلقة في الفضاء ؟!
فأسرع في هياج قائلاً :
- كلهم أعداء ، وإن لم يكن فكلهم فداء !
فأسرعت في هياج أكثر منه قائلاً :
- ولكنك يا سيدي تريد أن تنتقم من أبرياء ، لأبرياء ، وعدوك المجرم صنع منك مجرماً بامتياز ، فما الفرق بينكما الآن ؟!
فنظر إلي مستغرباً ، وبدا على ملامح وجهه علامات الاقتناع ، فأسرعت واقفاً ، أصيح في سعادة غامرة قائلاً :
- هيــــا .... فليأتيني كل الأطفال الموجودين على الطائرة !
وامتلأ الممر بالأطفال ، الواحد تلو الآخر ، يركضون كالملائكة ، ويحبون على أذرعتهم ، في همة ، ونشاط ، وكأن الطائرة قد أصبحت روضة في السماء ، ولما التئم جمعهم ، أمسكت أحدهم ، يشع من وجهه نور الصفاء ، ويلمع في عينيه بريق اللقاء ، وسألت الرجل قائلاً :
- يا أيها الرجل .... هل لك من بين هؤلاء الأطفال أي أعداء ؟!
فأسرع صائحاً ، متبرئاً ، في هياج قائلاً :
- لا .... لا .... إنهم أبرياء !
فصحت فيه مبتسماً قائلاً :
- إذن دعنا ننقلهم إلى مؤخرة الطائرة !
فهز برأسه موافقاً ، وهو لي شاكراً لفت الانتباه ، ثم رحت أصيح مجدداً قائلاً :
- يا أيتها النساء .... فلتأتيني من فوركن ، إن كنتن تردن النجاة !
فامتلأ ممر الطائرة ، بعشرات النساء ، وكأننا في جنات النعيم ، ومن حولنا ترفرف الحور العين ، فوضع الرجل نظره في الأرض على استحياء ، فسألته مباغتاً قائلاً :
- يا أيها الرجل .... هل لك أعداء من بين هؤلاء النساء ؟!
فرد في حشرجة دهماء ، بصوت طفل أدركه الحياء قائلاً :
- لا .... لا .... الأعداء لسن من هؤلاء النساء !
فصحت فيه مستنكراً قائلاً :
- إذن دعنا ننقلهن إلى مؤخرة الطائرة !
فهز الرجل برأسه موافقاً على استحياء ، إلا إني رحت أصيح من جديد ، قائلاً :
- يا أيها الشيوخ .... فلتأتوني من فوركم ، إن أردتم نجاتكم !
فامتلأ الممر من جديد ، بعشرات اللحى والرؤوس ، والشيب يتوجها ، كأننا في جنة الفردوس ،والملائكة تزينها ، فداهم الرجل بكاء ، وراح يجهش في هياج ، وأنا أسأله معنفاً قائلاً :
- يا أيها الرجل .... .... .... هل لك أعداء من بين هؤلاء الشيبان ؟!
فرد بانتحاب ، وقد فاض الدمع من عينيه أنهار ، بمرارة ، وانكسار ، قائلاً :
- لا .... لا .... هؤلاء فوق رؤوس كل العباد !
فصرخت فيه قائلاً :
- إذن دعنا ننقلهم إلى مؤخرة الطائرة !!
فهز رأسه موافقاً ، وهو يشعر باختناق ، ورحت أتفحص وثائق الرجال ، حتى عثرت على اثنين من الأعداء ، واحد من جيش الاحتلال ، والثاني من قوات أعالي البحار ، فصرخت فيه قائلاً :
- هؤلاء هم الأعداء .... سبب البؤس والشقاء
فهز برأسه موافقاً ، ومهللاً ، أن أدرك أخيراً الأعداء ، ولكني صحت فيه قائلاً :
- إذن دعنا ننقل بقية الرجال إلى مؤخرة الطائرة !
فهز برأسه موافقاً ، ومؤكداً ، ثم رحت ادنوا برأسي من رأسه ، وأهمس في أذنه قائلاً :
- من أجل هذين الوحشين ، تريد أن تقتل كل هؤلاء الأبرياء ؟!
فرد بنفس الهمس قائلاً :
- وماذا ترى يا أيها الحكيم ؟!
فعدت أهمس في أذنه ثانية ، وأنا أشير عليهما ، وهما يرتجفان ، قائلاً :
- دعنا نقذف بهما من الطائرة .... ونرضي النفوس الثائرة .... وكل الركاب غير شهداء !
فهز برأسه موافقاً ، ومتحمساً لذاك القرار ، وراح يشاور أصحابه ، وعاد بعد وقت قصير بالموافقة ، واتجهنا جميعاً صوب باب الطائرة ، حتى نقذف بالمجرمين ، ولما فتحنا الباب ، وهبت عاصفة الهواء ، صاح جندي أعالي البحار قائلاً :
- يا سيدي .... أنا لم تطأ قدمي تلك الديار ، ولم أقتل أحداً ، ولم انتهك عرضاً ، ولم اسرق أي أموال ، فبأي ذنب ، تريق دمي هباء ، ولي على متن الطائرة ، زوجة ، وأطفال ؟!
فتأملت الرجال ، وصحت فيهم ، وعاصفة الهواء تتدفق عبر الباب ، قائلاً :
- أترون الآن هذا الجندي من الأعداء ؟!
فصاحوا جميعاً على صوت رجل واحد قائلين :
- لا .... لا يا سيدي طالما لم تطأ قدماه الديار !
فأشرت له أن يذهب ، ويلتحق ببقية الرجال ، فراح يصيح ، ويهلل ، كأنه نجا من الممات ؟! شاكراً إلهنا الذي في السماوات ، وبقى الجندي الأخير ، جندي جيش الاحتلال ، صمت ، لم يدر ما يقول ، كيف يمكنه أن يدافع عن نفسه ؟ فهو سارق وطن ، ومتحد للزمن ، وخالق محن ، لكل الأبرياء ، فنظرت له برحمة ، بإشفاق ، وقد اشتدت عاصفة الهواء ، فسألته قائلاً :
- ألن تدافع عن نفسك يا أيها الإنسان ، يا جندي رمزه الغطرسة ، والعنفوان ؟!
فصمت ، وملامح وجهه بلا عنوان ، فصحت فيهم قائلاً بحماس :
- يا أيها الرجال .... إن الشجاعة تقتضي أن لا يقتل إلا في ساحة القتال ، حتى لا ينال منا شرف البطولة الجوفاء
فهز الرجال برؤوسهم موافقون ، فأشرت له أن يلتحق ببقية الرجال ، فركض الرجل كطائرة نفاثة بلا انتظار ، وإذا برجل يربت على كتفي متسائلاً قائلاً باستغراب :
- ولكن نحن هكذا لن نقتل أحداً من الأعداء ، ولن نصبح في عداد الشهداء ؟!
فنظرت له مستغرباً ما قال ، وضربت بيدي على صدره قائلاً بارتياح :
- يا أيها الرجال ... ألا تدركون أنكم أقوى مما كان ، لقد أقمتم حياة ، أنجيتم الأبرياء ، وعفوتم عن عدوكم عند المقدرة ، وعرفتم طريق الجهاد ، وحلاوة الاستشهاد ، ولم يستطع عدوكم ، أن يجعلكم مثله مجرمون ، أفلا تكتفون ؟!!
فارتسمت بسمة على شفاههم ، وأغلقنا الباب ، ورحنا نتبادل العناق ، تلو العناق ، وعاد قائد الطائرة ليتحكم بها من جديد ، وعاد الركاب إلى مقاعدهم ، يلتقون كأنه يوم عيد ، ورحن المضيفات يقدمن الحلوى ، وأكواب العصير ، حتى قبلت إطارات الطائرة ، إسفلت المطار ، فرحت ازفر بلهفة ، واشتياق ، وفي قلبي صياح ، للوطن المستباح ، ومن فرط سعادتي وقفت في هياج صارخاً بأعلى صوتي كالأطفال الصغار ، ومن خلفي كل الركاب يرددون :
- الحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوار ، الحــــــــــــــــــــــــوار ، الحــــــــــــوار
تمت ،،،،