إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

الثلاثاء، 15 فبراير 2011

ذات تبحث عن نفسها - قصة قصيرة

ذات تبحث عن نفسها
قصة قصيرة
كتبها : أحمد كمال
أنا ... كلمة احترت في أمرها ، وتهت في دروب تفسيرها ، وكلما ظننت إني اقتربت من الجواب ، وجدت أنا بعيداً عن أنا ، أضيع في كل يوم مرات ومرات ، حتى استيقظت في ذاك الصباح ، أبحث عن الصحف التي يلقيها إلي صديقي بائع الجرائد المثقف ، المتعلم ،الذي لم يجد عمل فتصرف وفق ما هو متاح ! فاحترف بيع الجرائد ، وظن إنها رسالة يؤديها ، وأنا جزء أصيل من رسالته ، وهو خريج إعلام !! أراد أن يقنع نفسه بالرضاء ؟! وأنا مثله عاطل بفعل فاعل ، لا أعرفه ولكني كلما رأيته تراجعت إلى الوراء ؟ حياتي كلها فراغ يمر علي الزمان أثقل من الثقلان ، أنفاسي علي معدودة ، وخفقات قلبي محسوبة لو زادت عن حدها أسدد عليها ضريبة معروفة ؟ وأفكاري حدودها عقلي ، فإذا بلغت لساني أو باح بها قلمي أو حتى بدت في نظرة عيني فأنا ... مفقود ... مفقود ... مفقود .
تصفحت الجرائد الجريدة تلو الأخرى ، أبحث عن وظيفة ، مجرد وظيفة تلاءم مؤهلاتي ، فأنا لا أعمل إلا ما أحب ، ولا يليق بي أن أهدر سنوات عمري التي قضيتها أتعلم ! ليس من طموحي أن أصبح ثرياً ، منتهى طموحي أن أسد جوعي ؟ وإذا بعيني تقع على إعلان لشركة كبيرة ، مهمتها التنقيب وتعطي أجور كبيرة ، بشرط حق الامتياز ؟ إن هذه الشركة تنقب في الذات !! تبحث فيها وتنهل منها وتجزل في العطاء ؟ وأكدوا في هذا الإعلان أن الدفع فوري ، ولا يتعاملون إلا بالدولار ؟؟؟ وأهم شيء أنهم يأتون لحدك فأنا لا أملك تكلفة المواصلات .
أسرعت نحو شرفتي أنادي على كل فلان ، يملك في المنطقة جوال ، أصابتهم غبطة وتسابقوا إلي بجوالاتهم لينالوا شرف التصدق علي بذاك الاتصال فاخترت فلان ؟! لأنه أكبر من أن يعايرني إذا ما تغيرت الأحوال ، أو ابتسم لي القدر وأصبحت كائناً من كان ، طلبت الرقم ويدي ترتعش ، وجسدي يرتجف ، ولما سمعت أذني الجواب بنعم أصابني دوار ، ولكني حددت معهم الميعاد ، وأعطيتهم العنوان ، وواعدوني بالحضور إلي هذا المساء ، وشكرت كل فلان وانزويت عن علان ورحت أنظف المكان وشعرت لأول مرة منذ بدأ الزمان بانشغال ؟!! فقد انقضى الصباح وأنا أنظف مسكني القابع تحت السماء ، وارتديت أفخر ما عندي من ثياب بدون الاستحمام فأنا والماء في حالة خصام ! وإذا ما أتت تتشكك في نقاوتها ، وإذا ما نقت وهذا محال فبالتأكيد سأصاب بسكتة قلبية من الاندهاش .
واقترب الميعاد ، وراح التوتر يداهمني فأنا مشتاق للبحث في ذاتي ، وبيع كل ما فيها لعلي أحصل على مال يغنيني عن مر السؤال ، ورحت أخطوا نحو شرفتي المتردية أستطلع المكان فإذا بالمنطقة كلها نظيفة من فعل فلان ، وفلان فهما دائما ما يشعران بالمسئولية ولا يقصران . وتلألأت من بعيد أضواء ، بيضاء وصفراء وزرقاء ، لبعض الشاحنات ما أن اجتازت منطقتي حتى احتشد الآلاف يهتفون بما حفظوا من الشعارات الجوفاء التي لا معنى لها خصوصاً ( بالروح والدم نفديك يا حيوان ) وخشيت من الفضيحة وأخذت أشير لهم بالصمت وعدم الهتاف ، توقفت الشاحنات وراح العمال ينزلون المعدات التي تنقب عن الذات ، وشعرت لأول مرة منذ بدأ الزمان إني مهم .... إني إنسان ؟ وراح كل من في منطقتي يساعد العمال على نقل المعدات إلى مسكني الراسي على فوهة بركان ، وتحولت شقتي إلى ما يشبه مركبة الفضاء ، وسمعت أنين البلاط من كثرة ما يحمل من زائرين ؟! ومتطفلين وبالتأكيد مخبرين للسلطات ؟! وبعد انتهاء كافة التحضيرات صعد كبيرهم وهو يشبه العلماء الأجلاء سحنته غربية ، وقبعته أوربية ، صافحني باهتمام ، وشعرت بكراهية في نظرة عينيه رغم ود ملمس يداه ، وأمرني أن أتمدد على سرير الفحص ليزرع أجهزة البحث عن الذات ، تمددت وأنا ارتجف أريد أن أتراجع ولكني خشيت من إحباط كل فلان موجود في هذا المكان ، ولما انتهى من زرع عشرات الأسلاك بدأ يحقنني بمصل ( حرية ) تم مصل ( عدل ) ثم مصل ( مساواة ) وراح يذكرني بكل أمان إنني أنا لا زلت إنسان ؟! فرحت أذهب نحو لا وعي ، لأبوح بما لم أبح به من قبل لأي إنسان .
لا أدري كم مر من الزمان ؟ ولا ماذا قلت لهذا العالم القادم من هناك ؟ لكني حينما بدأت أعود إلى هنا سمعت نحيب فلان وشاهدت دموع علان فأصابتني خيبة الأمل وأيقنت إني فشلت في بيع ذاتي التي ليس لها عنوان ... وإذا بالعالم يحمحم قائلاً :
- إن ذاتك مليئة بالكنوز يا فلان !!
فنظرت له مستغرباً وواصل هو قائلاً :
- إن قيمة ذاتك لا تقدر بثمن ؟ !!
فأعدت النظر إليه أتوسل ولو دولار حتى قال على استحياء :
- ولكن اسمح لنا أن نشتري ذاتك بعدد ذرات التراب على هذا الكوكب الدوار بنقد من فئة المائة دولار .
فصحت فيه والدهشة تملأني وأصابني ابتهاج ، وأكاد أن ابدي موافقة ولكني طالعت أمي فلانة وأبي فلان الآتيان من خلف الزمان ، وهما يلوحان بيديهما أن لا ؟ فاحترت في أمرهما وتلعثم اللسان ، وتعثر الفؤاد ، والعالم ينتظر الجواب فصرخت أن لا ... لا ... لا!
وإذا بحيوانات السلطات يداهمون المكان ، وبكل احترام يسألون العالم عن رخصة ممارسة النشاط ، فلم يملك جواب ، فراحوا يدمرون كل المعدات وفرقوا بين كل فلان وفلان ورحلوا كل العلماء ، وقضيت ليلتي الأولى خلف القضبان ، ومنها إلى مصحة العقلاء ، وقابلت في تلك الليلة فلان وفلان ، اللذان أخبراني أن في تلك المصحة خلف الأسوار ثمانين مليون من الأهل ولأقرباء والأصدقاء يبحثون عن ذواتهم ؟؟!!
تمت