حورس
قصة قصيرة بقلم : فيلسوف
القصة
حورس
ولد مسكين ، اعتاد أن يستكين ، صادقه الجوع دوماً ، وغزل له الفقر ثوباً ، وجهز له
الذل فراش حقير .
يؤيه
قلب جسر غليظ ، ويفتك به حلم مستحيل ، أن يرى العدل رجلاً ، يشهر سيفه في وجه
الطواغيت .
حورس
كفر برب السماء ، وليس له على الأرض ربيب ، فكان يقول دوماً ، أريد إله قدير ؟!
يلبس الحق درعاً ، فيستحيل على الظالمين ، أما الربيب في الأرض علقة ، ألقاها
يوماً وعليه لم يجيب .
حورس
استيقظ يوماً وتدغدغ مسامعه صيحات الملايين ، فهرع من جوف الجسر يسعى فرأى مشهد
رهيب ، ملايين الأعناق تشمخ ، وللسماء تطيل ، وألسنة القوم تهتف :
-
عيش حرية عدالة اجتماعية .
فراحت
روحه تقفز ، وراح يصيح :
-
الحلم لم يعد مستحيل !!
وغدا
حورس يهتف ، كأنه ولد زعيم ، فحمل على الأعناق حباً وكرامة ، وعشق ثوار العدالة ،
حتى رشق في الميدان سهماً مصيب ، تهتز من زئيره بنيان خاوية ، وتصدح في عشقه طيور
غادية حتى يرضى .
حورس
أصبح ثائراً مع الثائرين ، يشهق هوائهم ، ويزفر غضبهم ، ويتفصد جسده بعرق له رحيق
، تمسك يداه بحلم قريب ، وقد أوشكت أن تلد العقيم ! ثمانية عشرة يوماً ، لم يره
الجوع نهماً ، بالرغم من طعامه القليل ، كان يكفيه نصف رغيف ، أو ربع رغيف طالما
هذا القسم يسري على الثري قبل الفقير ، وامتلأ بالأمن قلبه بالرغم من انكسار
الحارس الغير أمين .
حورس
هتف بالنصر لحظة ، وسط الملايين ، حتى شعر باحترار رهيب ، تلاه وميض ، حرره من سجن
جسده الصغير ، فرأى ألف ألف ملك ، تحيط بموكب مهيب ، وألف مليون شهيد ، يتقدمون
لتهنئة هذا الوليد ، فأدرك حورس كم أن ربه كريم عظيم !
حورس
آلمه أن يرى جسده يسحل على الطريق ، فصاح بقوة يقول :
-
يا بن وطن ما يضير الشاة بعد ذبحها ! ألا يكرم الوليد ؟!
فلمعت
عيناه بدمع ، شق نهر عظيم ، ولكن في مكان ليس بقريب ، وصادقه نحيب ، وراء نحيب وهو
ينشد من بعيد :
-
أيها الثائرون ... الحلم ضاع أم ضاع الحالمين !
حورس
عن الميدان يوماً لم يغيب ، ولكنه لم يجب الثائرين ، يحوم في حوصلة طير أخضر عملاق
كبير ، يراه الناظرون برهة ، فيظنون إنها طائرة تحلق من بعيد ، وبقى الثائرون في
غفلة حتى أوشك الحلم أن يضيع !!
حورس
قاد مظاهرة ، ومن خلفه ألف ألف وليد ، في حواصل الطيور الخضر ، وتحفهم ملائكة من
نور مهيب ، رآهم كل من يرى ، وهم يحلقون صوب الشمس ، وينشدون في همس :
-
ضاع الحلم ... أم ضاع الحالمين ؟؟!!
انتهى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق